السبت، 6 يوليو 2013

ليتني قلت ذلك .!


ليتني قلت ذلك*

تعبير إنجليزي شائع*يقوله أحدهم عندما يستحسن عبارة قالها غيره ، والأمر لا يعدو عن أن يكون من باب الغبطة إذا اكتفينا بالتمني ، فالغبطة - كما تعرفون - هي تمني ما عند الغير دون أن تتمنى زوال ما لديهم ..
ولكنه يتجاوز ذلك ليصبح حسداً إذا تمنيته وتمنيت زواله من عند الآخرين ، وبما أننا هنا نتحدث عن الحقوق الأدبية فإن تمني ما لدى الغير وزواله من عندهم في نفس الوقت يسمى ( سرقة ) ..
 مارك توين الساخر الأمريكي الكبير اشتهر بأنه كان يسرق التعليقات التي كان يسمعها من هنا وهناك وينسبها لنفسه ، ويروى أنه كان في مجلس فسمع تعليقاً أعجبه فقال لصديقه : ليتني قلت ذلك ،
فقال له صديقه مستهزئاً :لا تقلق ، فأنت سوف تقول ذلك حتماً .!
 يقصد أن مارك توين سوف يكتب هذه العبارة وسيعتبر القراء تلقائياً أنه القائل بسبب شهرته * ..

جورج برنارد شو الساخر العظيم أيضاً كان له نصيب من السرقة* ..
إلا أنه لم يفعل ذلك بنفسه ، بل تكفل مريدوه بهذه المهمة وقولوه ما لم يقل ، واكتفى هو بالسكوت وكأن شيئاً لم يكن .. وهذه سرقة أيضاً وإن قام بها كاتب كبير ..

وللعرب - المعاصرين منهم خصوصاً - نصيب كبير من السرقات الأدبية ، لكنني لن أقوم بعرض لنماذج السرقة العربية وسأكتفي بالنموذجين الأجنبيين اللذين قمت بعرضهما وذلك لسببين ، أولهما :
أنني كنت أعتقد بأن الخواجات ( مو وجه الحركات هي ) لكنني اكتشفت أنهم ألعن منا في هذا الجانب ، والثاني : أن اللغة العربية مطاطة وفضفاضة ، وسأكتشف أن النموذج الذي أوردته هو اقتباس بريئ ومشروع ، وحتى إن ثبت أنها سرقة فعلاً فلن أعدم من يقول بأن الكاتب السارق قد وضع الجزء المسروق بين قوسين ، أو أتبعه بنجمة أو سبقه بنقطتين أو بفاصلة منقوطة أو بعلامتي استفهام كبيرتين ، وإن صح قولهم  فإن ذلك لا يبرر عدم إشارة الكاتب للمصدر في الحاشية على الأقل .!
وحتى وإن اعترف السارق بذنبه فإنك سرعان ما تجد نفسك مضطراً للاعتذار منه وربما قمت بتقبيل يديه طالباً الصفح ، بعد أن تعرف أنه ما فعل ذلك إلا ( لينشر العلم المفيد بين المسلمين ) لكنك لن تتجرأ على سؤاله عن الملايين التي دخلت جيبه من بيع هذا العلم ، هل استفاد منها مسلم آخر سواه !؟
أو أن يقوم أحدهم بإلقاء خطبة عصماء ليس له منها إلا تعب ( ماكينة التصوير أو آلة الطباعة ) فيعتذر له أصحاب النوايا الحسنة بأنه لم يسمع أحدهم عن خطيب زعم بأنه سبق وكتب خطبة بنفسه ، أو عن خطيب آخر ذكر اسم الكاتب في نهاية خطبته ، لكن هذه الأعذار لا تشفع له قطعاً بأن يجمع هذه الخطب في كتاب ويتكسب من وراء ذلك .!
وكم من مرة عجبت فيها من غزارة إنتاج كاتب أحب القراءة له ، ومن تفرده باختياره لموضوعاته ثم أجد أن جل هذه الموضوعات قد سبقه إليها كاتب آخر منذ أكثر من ثلاثين عاماً في كتاب واحد فقط وبنفس الصياغة وأسلوب العرض وعندما تذكر ذلك لأحدهم يقول لك بأن هذه ليست سرقة بل تأثر ، وهي موضوعات شائعة سبق التطرق لها مئات المرات ، ثم إن الكاتب لم يقل أنه مخترع هذه النكتة أو أول من لاحظ ذلك التفصيل ، فإذا سألته : أليست تلك الالتقاطات الصغيرة ، والتفاصيل الدقيقة ، والتعليقات اللاذعة هي سر جمال ذلك الكاتب ، فإذا كانت جميعها ملطوشة من كاتب آخر فما الذي بقي لصاحبنا من ذلك المقال أو تلك المذكرات سوى علامات الترقيم ؟ أسقط في يده ولم يجب ..

وبالحديث عن ( ليتني قلت ذلك ) فإن لي منها نصيب أيضاً ، لكنني لن أعتذر ، لأنني - للأسف الشديد - أغلقت على نفسي باب الأعذار بعد أن أبديت امتعاضي من تلك الأعذار الواهية أعلاه ، من اقتباس وتأثر وتناسخ أرواح وغيرها من الكلام الفاضي ،
 فعلى سبيل المثال كنا في واحد من مجالس الشيشة ، نزجي الوقت بالحديث عن عيوب الآخرين بضمائر مرتاحة ، وبنفوس راضية عن عيوبها ( التي هي - بالمناسبة - ذات العيوب التي ننتقد الآخرين بسببها ) فاشتكى أحد الأصدقاء من إيميله ، والفيروسات التي تملأه ، فقال له صديق آخر : ياخي اكسر إيميلك وريحنا .! فكان أن أعجبتني هذه العبارة ، ووجدتها تتسلل لا شعورياً - هكذا أقنعني شيطاني - إلى موضوع ( نصف ساعة تلفزيون ) ، هذا الصديق أيضاً رد على أحد منتقدي جهاز هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بقوله : حتى لو جابوا الشيخ طوني ما يأمركم بمعروف ولا ينهاكم عن منكر منتم راضيين عنهم .! 
فألهمني موضوع ( الشيخ طوني ) .! 

ومنذ يومين سمعت أحد أطفال العائلة يغازل بطيخة طال اشتياقه لها وطال غيابها عنه قائلاً : ازا طلعتي "حلوة" راح أعطيكي رقمي .!
فأعجبني هذا التعليق جداً ، لكنني للأسف الشديد ضيعت على نفسي فرصة الاستفادة منه بعد أن جذبت ضحكتي المجلجلة انتباه بعض أفراد العائلة فاضطررت إلى ذكر السبب الحقيقي وراء هذه الضحكة .! 



ولأن الموضوع يتحدث عن السرقة فلا بد من إخباركم بأن كل الجمل التي تبعتها نجمة ( * ) في هذا المقال مسروقة من مقال قديم جداً للكاتب الكبير جهاد الخازن ، بما فيها عنوان المقال نفسه .!


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق