الأحد، 15 سبتمبر 2013

كيف تعرف بأنك محاور عربي .!



كيف تعرف بأنك محاور عربي .!



1 ـ عندما تدخل في حوار ما .. فأنت تدخل بقناعاتك السابقة .. وليس لديك أي استعداد لتغييرها ؟

2 ـ أنت تدخل في حوار لتثبت أنك بارع وفلتة وأن محاورك ما عنده سالفة ؟

3 ـ أنت لا تؤمن بأن رأيك صواب يحتمل الخطأ وأن رأي محاورك خطأ يحتمل الصواب .. بل إن رأيك هو الصواب الوحيد .. ورأي محاورك خاطئ لا محالة ؟

4 ـ أنت لا تشارك في الحوار إلا وقد حشدت كل ذخيرتك واستنفرت كل أسلحتك اللغوية واللفظية وخلفيتك الثقافية لاستعراضها أمام محاورك ؟

5 ـ عندما يتم طرح موضوع للحوار فأنت تشارك فيه بغض النظر عما إذا كنت تمتلك خلفية عن الموضوع المطروح أم لا ؟


6 ـ أنت تهدف لإحراج محاورك ، ولا تفوت أي فرصة سانحة لإحباطه وتضييق الخناق عليه .!

7 ـ عندما تشعر بأن خصمك قد أثبت حجته ، تحاول ( لي عنق الموضوع ) والدخول من
( الأزقة الخلفية ) للحوار .. حتى تتيح المجال لنفسك وتخلق فرصة ثانية لك لاستئناف اللعب ؟؟

8 ـ أنت لا تؤمن ـ حقيقة ـ بأن اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية ؟ بل إنه يفسد الود والقضية أيضاً ؟

9 ـ أنت تكره من يخالفك الرأي ؟ 

10 ـ أنت تكره ـ كذلك ـ من يثبت أن رأيك خاطئ ؟ 

11 ـ أنت تؤمن بأن الغلبة ـ دائماً ـ لصاحب الصوت الأعلى .. أو النفس الأطول .. أو من يتلاعب بالعبارات .. ويجيد استغلال الثغرات .. وليس لصاحب الحجة الأقوى ؟

12 ـ أنت تؤمن بأن الحوار  ليس للبحث عن الحقيقة ، بل لإثبات الذات ؟

13 ـ أنت لم تشاهد من قبل حواراً عربيا خلص المشاركون فيه إلى نتيجة .. وخرج كل طرف وقد وضحت لديه الأمور التي كانت تخفى عليه قبل الحوار ؟


14 ـ عندما تتابع حواراً فأنت لا تهمك النتيجة .. بل تنظر للأداء !

 15 - وأخيراً ، أنت تعرف بأن الحوار العربي 
ينتهي بخسارة جميع الأطراف لأن الموضوع الأساسي للحوار قد ضاع وسط الضجيج ، لكن ذلك لا يشغل بالك لأنك قد نسيت موضوع الحوار على كل حال .! 



الآن اجمع نقاطك ..


أ ـ إذا كانت أغلب إجاباتك بـ ( نعم ) فأنت محاور عربي فذ ..وكل ذنبك أنك نشأت على مبادئ وقيم لا تؤمن بها .. أو ـ ربما ـ لا تطبقها .. أو ـ أضعف الإيمان ـ لا تستطيع تطبيقها لأسباب كثيرة تفرضها عليك الظروف . 

ب ـ إذا كانت أغلب إجاباتك بـ ( لا ) فأنت محاور عربي لكنك تعيش حالة إنكار للذات .

الأربعاء، 7 أغسطس 2013

العيد مرة أخرى .!

..
.

الأطفال ابتاعوا مفرقعات العيد منذ ما يزيد عن الأسبوع ..
واحتفلوا بإطلاقها ـ فعلاً ـ ليلة أمس !
وارتدوا ملابسهم الجديدة ..
بل وأخذوا العيدية كذلك ..
هم يعيشون فرحتهم بالشكل الصحيح !!
سماعهم بأن العيد قادم ، يعني الفرحة حتى ولو لم يأت بعد ..
ليسوا بحاجة بعد الآن للنوم حتى قبيل المغرب ـ كما يفعل الكبار ـ ..
ليسوا مضطرين للامتناع عن الأكل والشرب طوال النهار بالرغم من أنهما يتوفران ـ وبشكلٍ مبالغٍ فيه ـ بعد أذان المغرب !


ليسوا بحاجة إلى الكبار ليخبروهم بأن عليهم أن يناموا ثم يستيقظوا ثم يناموا ثم يستيقظوا مرة أخرى ، ليأتي العيد ..
وهذه هي طريقتنا الساذجة في شرح الأيام وتعاقبها للصغار ..


الكبار فعلوا المثل تقريباً ..
وإن لم يكفوا عن الصيام ..
إلا أن حماستهم للشهر قد خفت بعد خمسة وعشرين يوماً فقط ..
أعداد الحاضرين إلى المسجد في العشر الأوائل من رمضان تزيد بضعفين عن المنتظمين في الحضور بعد العشرين منه ..

قلة هم من استطاعوا الصمود حتى ليلة السابع والعشرين من هذا الشهر الكريم ..
قبل أن يبدأوا بإرسال تهاني العيد ..

وصلتني رسالة ( معممة ) تبارك لي بهذا العيد الذي لم يأت بعد ..
أما كيف عرفت بأنها معممة !
فلأنني استلمت ـ وأشقائي ـ نفس النسخة ..

(( ما بقى للعيد غير وقتٍ قصير ، بس قلبي من غلاكم ما قدر ..
قال : ارسل وانا قبلك بطير )) إلخ إلخ من الكلام الفارغ المذيّل باسم المرسل ..
محبكم : فلان الفلاني

أنت تعرف تلك النوعية من الرسائل ، التي لا يعني كاتبها حرفاً مما ذكر فيها ..
ولا يعرف المرسل نفسه إن كان رقمه محفوظاً لدى الطرف الآخر أم لا ، لذلك يذيلها بالتوقيع !


ولو كنت أعرف أن أمري يهمّه ، أو فرحتي تعنيه ، أو ردّي يصنع عيده ..
لقمت بلثمِ جبين رسالته ..
وطرت بكل المحسنات البلاغية التي حوتها بطون الكتب حتى باب بيته ..

لكنها رسالة ( سقط عتب ) ..


أريد شخصاً يتصل بي ليشعر هو بالسعادة ..
شخص خطرت على باله ليلة العيد فشعر بأن عيده فارغ ـ كبطون الصائمين ـ من دوني !

لذلك أفهم فرحة الأطفال ..
عندما يأتي ابني ( ليقبل رأسي ثم يمسح شفتيه باشمئزاز )
ويأخذ العيدية ـ التي لن تتجاوز الريالين بأي حالٍ من الأحوال ـ !
وينصرف فرحاً وهو يستدعي المزيد من عفاريت العيد ليمتصوا ريالاتي البائسة

هنا أشعر ـ حقاً ـ بالسعادة ..
أفعل ذلك لأن لي دوراً في فرحة الآخرين ..
أما لو تجرأ طفل منهم وأخبرني بأنه يأخذ ريالاتي ليسعدني لكسرت رأسه !



ليس لأن فلان يتوقع بأنني سوف أرسل له تهنئة ، أفعل ..

الأطفال لا يذهبون إلى الحدائق العامة لإسعاد المراجيح !!!
بل لإسعاد أنفسهم ..

فتحت جوالي لأجرب ، أريد أن أراسل أشخاصاً لن يتوقعوا رسالتي ..
أريد أن أتصل بمن لم يعتقد أنني قد أتصل به ..


أبو أسامة ، أبو خالد ، أبو سعود1 ، أبو سعود2 ، أبو ضاري ، أبو عامر ، أبو عايد ، أبو عايض ..
تباً لتلك الطريقة العجيبة في تسجيل الأسماء ، لأنني ـ والله ـ لا أعرف إلا أبا عامر ، واسمه يحيى !

أما الآخرين فلا أعرفهم ، ولا أذكر الظروف التي سجلت بها أرقامهم !
كيف أرسل لشخصٍ لا أعرفه رسالة مفادها أنني ( قلبي من غلاكم ما قدر ) !
ناهيك عن أنني لن أفرح ـ أبداً ـ لو اتصلت بهم ..

بل أنا متأكد أنني سوف أكبدهم عناء الرد ، لأن الرد على المرسل مسألة أداء واجب ..

استمريت في البحث ، هكذا حتى وصلت إلى ( المصلِّح سيفول ) وهو عامل ـ يبدو من اسمه ـ من الجنسية البنجلاديشية ..
لا بد وأنه قد قام بإصلاح المغسلة ، أو تغيير زيت السيارة ..
والأرجح أنه صلح المغسلة فعلاً لأنه ليس لدي سيارة لأغير زيتها !

ضغطت على زر الاتصال وأنا أشعر وكأنني الأطفال في تلك الأغنية وهم يهنئون الغول ..
والتشبيه موفق جداً ، في حال كان الغول هو من يهنئ الأطفال طبعاً ..

قلت : السلام عليكم ..
رد علي قائلاً : وعليكم السلام ، مين !
أجبته : مصطفى ..
( وكأنه سوف يعرفني بمجرد ذكر اسمي ، وكأنني زميل عمره في السباكة ، أو صديقه من يوم كان البانيو طين )

قال في تشكك : مصطفى مين ؟

أجبته وقد ضايقني أنه لم يعرفني ولم يهتم لمباركتي : عيدكم مبارك ، كل عام وأنتم بخير .

قال : الحين محل سَكَّر ، مكيف خربان ! ( إذن هو قد صلح المكيف وليس المغسلة !! )

أجبته ـ بتناحة ـ : لا مافي شي خربان ، بس عيدكم مبارك وكل عام وأنتم بخير !

قال في حيرة : طيب ، يعني مافي مكيف خربان !!

رددت عليه في غيظ : يا ابن الحلال مافي شي خربان يا صديق، أنت ما يبغى عيدكم مبارك وكل عام وأنتم بخير !!

صوت الطوط طوط الأزلي ، الذي يعلن انتهاء المكالمة ..


إذن لا بد من الروتين ..

فتحت الهاتف ، وأرسلت لأبو فهد1 وأبو فهد2 وابو عبدو وأبو ياسمين وأبو محمد1 و2 و3
ما مفاده أن :

(( ما بقى للعيد غير وقتٍ قصير
بس قلبي من غلاكم ما قدر ..
قال : أرسل وانا قبلك أطير
قلت : بدري !
قال : مافيني صبر ! ))


إلخ إلخ من الكلام الفارغ الذي لا أعني منه حرفاً ، ولا أعرف إذا كان أبو محمد هذا يعرفني أو يحفظ رقمي ..
أم أنه مجرد معقب معاملات قابلته ذات تجديدِ إقامةٍ أو إضافةِ مولود !

ثم ذيلت كل هذا الكلام الفارغ بالتوقيع

محبكم : مصطفى

السبت، 6 يوليو 2013

ليتني قلت ذلك .!


ليتني قلت ذلك*

تعبير إنجليزي شائع*يقوله أحدهم عندما يستحسن عبارة قالها غيره ، والأمر لا يعدو عن أن يكون من باب الغبطة إذا اكتفينا بالتمني ، فالغبطة - كما تعرفون - هي تمني ما عند الغير دون أن تتمنى زوال ما لديهم ..
ولكنه يتجاوز ذلك ليصبح حسداً إذا تمنيته وتمنيت زواله من عند الآخرين ، وبما أننا هنا نتحدث عن الحقوق الأدبية فإن تمني ما لدى الغير وزواله من عندهم في نفس الوقت يسمى ( سرقة ) ..
 مارك توين الساخر الأمريكي الكبير اشتهر بأنه كان يسرق التعليقات التي كان يسمعها من هنا وهناك وينسبها لنفسه ، ويروى أنه كان في مجلس فسمع تعليقاً أعجبه فقال لصديقه : ليتني قلت ذلك ،
فقال له صديقه مستهزئاً :لا تقلق ، فأنت سوف تقول ذلك حتماً .!
 يقصد أن مارك توين سوف يكتب هذه العبارة وسيعتبر القراء تلقائياً أنه القائل بسبب شهرته * ..

جورج برنارد شو الساخر العظيم أيضاً كان له نصيب من السرقة* ..
إلا أنه لم يفعل ذلك بنفسه ، بل تكفل مريدوه بهذه المهمة وقولوه ما لم يقل ، واكتفى هو بالسكوت وكأن شيئاً لم يكن .. وهذه سرقة أيضاً وإن قام بها كاتب كبير ..

وللعرب - المعاصرين منهم خصوصاً - نصيب كبير من السرقات الأدبية ، لكنني لن أقوم بعرض لنماذج السرقة العربية وسأكتفي بالنموذجين الأجنبيين اللذين قمت بعرضهما وذلك لسببين ، أولهما :
أنني كنت أعتقد بأن الخواجات ( مو وجه الحركات هي ) لكنني اكتشفت أنهم ألعن منا في هذا الجانب ، والثاني : أن اللغة العربية مطاطة وفضفاضة ، وسأكتشف أن النموذج الذي أوردته هو اقتباس بريئ ومشروع ، وحتى إن ثبت أنها سرقة فعلاً فلن أعدم من يقول بأن الكاتب السارق قد وضع الجزء المسروق بين قوسين ، أو أتبعه بنجمة أو سبقه بنقطتين أو بفاصلة منقوطة أو بعلامتي استفهام كبيرتين ، وإن صح قولهم  فإن ذلك لا يبرر عدم إشارة الكاتب للمصدر في الحاشية على الأقل .!
وحتى وإن اعترف السارق بذنبه فإنك سرعان ما تجد نفسك مضطراً للاعتذار منه وربما قمت بتقبيل يديه طالباً الصفح ، بعد أن تعرف أنه ما فعل ذلك إلا ( لينشر العلم المفيد بين المسلمين ) لكنك لن تتجرأ على سؤاله عن الملايين التي دخلت جيبه من بيع هذا العلم ، هل استفاد منها مسلم آخر سواه !؟
أو أن يقوم أحدهم بإلقاء خطبة عصماء ليس له منها إلا تعب ( ماكينة التصوير أو آلة الطباعة ) فيعتذر له أصحاب النوايا الحسنة بأنه لم يسمع أحدهم عن خطيب زعم بأنه سبق وكتب خطبة بنفسه ، أو عن خطيب آخر ذكر اسم الكاتب في نهاية خطبته ، لكن هذه الأعذار لا تشفع له قطعاً بأن يجمع هذه الخطب في كتاب ويتكسب من وراء ذلك .!
وكم من مرة عجبت فيها من غزارة إنتاج كاتب أحب القراءة له ، ومن تفرده باختياره لموضوعاته ثم أجد أن جل هذه الموضوعات قد سبقه إليها كاتب آخر منذ أكثر من ثلاثين عاماً في كتاب واحد فقط وبنفس الصياغة وأسلوب العرض وعندما تذكر ذلك لأحدهم يقول لك بأن هذه ليست سرقة بل تأثر ، وهي موضوعات شائعة سبق التطرق لها مئات المرات ، ثم إن الكاتب لم يقل أنه مخترع هذه النكتة أو أول من لاحظ ذلك التفصيل ، فإذا سألته : أليست تلك الالتقاطات الصغيرة ، والتفاصيل الدقيقة ، والتعليقات اللاذعة هي سر جمال ذلك الكاتب ، فإذا كانت جميعها ملطوشة من كاتب آخر فما الذي بقي لصاحبنا من ذلك المقال أو تلك المذكرات سوى علامات الترقيم ؟ أسقط في يده ولم يجب ..

وبالحديث عن ( ليتني قلت ذلك ) فإن لي منها نصيب أيضاً ، لكنني لن أعتذر ، لأنني - للأسف الشديد - أغلقت على نفسي باب الأعذار بعد أن أبديت امتعاضي من تلك الأعذار الواهية أعلاه ، من اقتباس وتأثر وتناسخ أرواح وغيرها من الكلام الفاضي ،
 فعلى سبيل المثال كنا في واحد من مجالس الشيشة ، نزجي الوقت بالحديث عن عيوب الآخرين بضمائر مرتاحة ، وبنفوس راضية عن عيوبها ( التي هي - بالمناسبة - ذات العيوب التي ننتقد الآخرين بسببها ) فاشتكى أحد الأصدقاء من إيميله ، والفيروسات التي تملأه ، فقال له صديق آخر : ياخي اكسر إيميلك وريحنا .! فكان أن أعجبتني هذه العبارة ، ووجدتها تتسلل لا شعورياً - هكذا أقنعني شيطاني - إلى موضوع ( نصف ساعة تلفزيون ) ، هذا الصديق أيضاً رد على أحد منتقدي جهاز هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بقوله : حتى لو جابوا الشيخ طوني ما يأمركم بمعروف ولا ينهاكم عن منكر منتم راضيين عنهم .! 
فألهمني موضوع ( الشيخ طوني ) .! 

ومنذ يومين سمعت أحد أطفال العائلة يغازل بطيخة طال اشتياقه لها وطال غيابها عنه قائلاً : ازا طلعتي "حلوة" راح أعطيكي رقمي .!
فأعجبني هذا التعليق جداً ، لكنني للأسف الشديد ضيعت على نفسي فرصة الاستفادة منه بعد أن جذبت ضحكتي المجلجلة انتباه بعض أفراد العائلة فاضطررت إلى ذكر السبب الحقيقي وراء هذه الضحكة .! 



ولأن الموضوع يتحدث عن السرقة فلا بد من إخباركم بأن كل الجمل التي تبعتها نجمة ( * ) في هذا المقال مسروقة من مقال قديم جداً للكاتب الكبير جهاد الخازن ، بما فيها عنوان المقال نفسه .!


الأحد، 30 يونيو 2013

المبجَّل .. راعي شرج الملك .!!





تحدث الدكتور بول غاليونجي في كتابه طب الفراعنة عن الطبيب العبقري ( خوي ) ، ويبدو أن هذا الخوي قد فعل  للملك ما لم يفعله سامي للهلال ، إذ أن عدد ألقابه التي زينت جدران معبد سقارة يفوق عدد ألقاب هذا الأخير ، ومنها - على سبيل المثال لا الحصر - عميد أطباء القصر الملكي ، المفضل لدى إله الطب ، طبيب القصر الملكي ، المقرب لدى أنوبيس ، المسيطر على سم العقرب ، كبير أطباء الوجه البحري والقبلي ..

أما أعظم ألقابه على الإطلاق فكان ( المبجّل راعي شرج الملك )

طبعاً أنا لا أعرف غاليونجي ولم أقرأ له في حياتي
 ويعلم الله أنه لا شيء أحب إلي من أن يظن الآخرون بأنني أقرأ لهؤلاء الخواجات ، غاليونجي وألبرتو مورافيا وخيسيوس نافاز* ، لكنني للأسف الشديد لا أفعل ، ولولا أن الراحل الكبير مصطفى محمود قد أورد هذه المعلومة في كتابه ( الشيطان يحكم ) لما كنت عرفت شيئاً عن غلونجي وطبيبه الخوي .. 

ما علينا ،، 

كنت أقول بأن هذا الطبيب العظيم كانت مهمته الكبرى في الحياة هي المحافظة على شرج الملك سليماً معافى ، فيحرص على ألا يعكر صفو مؤخرته ناسور ، أو تقض مضجعها البواسير ، أو تذهب حكّةٌ بهيبتها الملكية ..
قد تبدو لكم - للوهلة الأولى - وظيفته مقززة ، فما الذي يدعوه للتفاخر بها ؟ 
أنا أيضاً اعتقدت ذلك في البداية ، لكنني - وبعد تفكر وتدبر - خلصت إلى استنتاج مهم ، 
أن الفراعنة لم يبلغوا هذه الدرجة من التقدم والتطور إلا بشفافيتهم الهائلة ، وقدرتهم على تسمية الأمور بمسماها الحقيقي ، هكذا بكل بساطة وتجرد ، لم يكن أحدهم يملك ترف تزييف الحقائق ، وقلب المسميات ، فالفرعون إله ما دام يفعل كالإله فعلاً ، يأمر فيُطاع ، والناس عبيد ما زالوا يتصرفون كالعبيد ، خانعين ، مستسلمين لبؤسهم .. 

أما هذا الذي يحرص على ألا تقضي الالتهابات على شرج الملك ، فهو راعي شرج الملك فعلاً ، هذه هي التسمية الوحيدة والمنطقية له .. 

لو فعلنا مثلهم وسمينا الأمور بمسمياتها الحقيقية لربما تطورنا وتقدمنا وأعدنا بناء صرحنا المتهدم .. 

على سبيل المثال نحن نسمي المنافق الذي يمنح الحاكم شرعيته ، ويقرر باسم الدين - والدين بريئ منه - حق ولي نعمته في قتل أبناء شعبه ، ويبرر للآخر سجنه للأبرياء ، ويعطي للثالث حصانة سماوية تمكنه من فعل ما يشاء دون خوف من مساءلة أو عقاب ، نسميه ( رجل دين )
مع أن الاسم الوحيد المتوافق مع ما يفعله ، ويتناسب مع ما يؤديه هو ( راعي شرج الملك ) !

فهو وحده من يبقي مقعدة الحاكم دافئة هانئة على الكرسي مدى الحياة ،
وهو وحده القادر على منع خازوق الثورة من الفتك بمؤخرته ..

أتمنى ألا يخرج من بينكم من يدافع عن الدين ، فأنا لست من أعدائه ، أو من يعتذر لرجال الدين معتقداً بأنني أهاجمهم ..
أتحدث عن الذي كذب فصدّقنا ، ومثّل فأقنعنا ، ونافق فخدعنا ..

أرجو منكم أن تفكروا بكل هدوء وشفافية وتجرد ، ثم قرروا بعد ذلك من الأحق بهذا اللقب الأنيق ، 

 هل هو ذلك الطبيب المسكين الذي لم يتنازل عن الكثير ، فقد كان مخيراً بين الاهتمام بالمسالك البولية للشعب وبين التفرغ لرعاية شرج الملك ، أم هؤلاء المنافقون الذين باعوا الدين واشتروا الدنيا ، من منهم يستحق هذا اللقب بكل جدارة واستحقاق ؟!

لقب ( المبجّل .. راعي شرج الملك ) .!

السبت، 25 مايو 2013

سوفَ أعودُ قبلَ شويّ .!!

...
..

الشيء الوحيد الذي يستطيع فعله مريض الفشل الكلوي حتى يؤخر مسألة رحيله عن هذه الدنيا هو غسيل الكلى .! 

فما الذي يستطيع فعله مريض الفشل القلبي ؟!

غسيل قلب طبعاً .! 


أحب ممارسة غسيل القلب ..
وهو شيء أشبه بغسيل الكلى الذي يتعرض له مرضى الفشل الكلوي ..
أي أنه العلاج الناجع الوحيد لمرضى الفشل القلبي ..

الفضفضة ..

أنت تمنح شيئاً رخيصاً ، وهو الكلام أو الكتابة ..
فتحصد الراحة ، والسكينة والسلام ..
صفحة واحدة تتخلص منها ، كفيلة بإزالة أطنان من الصديد الجاثم على روحك ..


\
\

تداعي الذكريات لعبة جميلة أحب أن ألعبها بين الحين والآخر ..
دع كل شيء يخرج ، الشيء الحقيقي وليس الشيء الذي يكتبه هواة المذكرات ..
يعني لا تصنع من نفسك بطلاً على الورق ..
لأنك لن تصبح كذلك حقيقة ، تحدث عن أمور حقيقية في حياتك ..
فالحياة كفيلة بأن تجعل منك بطلاً حتى ولو كنت فاقد الأهلية ..
الخيبات ، الصراعات ، الفشل ، العبثية ..

هذه بطولة تستحق أن يسمعها أحد ..

على الأقل هي حياتك .!



أهلاً بكم مرة أخرى 


\
\

أما كيف تعرف أنك مصاب بالفشل القلبي .؟


فمعرفة ذلك سهلة .. 

هل تمت تهيئتك لتكون طبيباً ، فأصبحت موظف استقبال للفترة المسائية في مستوصف خاص ! 
تتسلى بمشاهدة الجراح وهو يقوم بتطهير الرضع .! 
أو الـ ( Circumcision ) للمتحذلقين ..! 

هل كنت تحلم بأن تصبح لاعب كرة قدم سيئ .! 
أو مذيع تلفزيوني فاشل ! 
أو مطرب شعبي رديئ !
ولكن كان هناك من يحلم ( لك ) لتكون مهندساً !! 

لم تصبح أي شيء مما خطر في أحلامك .. 
وأثبت لك ذاك الأحدهم أنك لا تجيد الحلم !
لكنك في المقابل ـ لم تصبح مهندساً ـ 
مما يعني أنك عجزت عن تحقيق حلمك الخاص .!
فكيف تستطيع تحقيق حلم الآخرين ..!

هل كرهت نفسك يوماً لأنك لم تستطع تحقيق آمال وتطلعات الآخرين ؟!
هل تحملت وزر الإحباط الذي شعرت به أمك لأنك لم تصبح معلماً ؟!
هل تشعر بأنك أفضل من الآخرين ، لكن الظروف لم تنصفك ؟!
هل شعرت بأنه لا هم للعالم إلا أن يقف ضدك ويؤخرك ويهدم أحلامك ؟!

إذن .!!

أهلاً بك في نادي ( الفشل القلبي ) .! 



.. 




الجميع يرغب بأن يكتب عن فشله في اختبارات الثانوية ، 
عن موقفه المحرج وهو يسبر غوار أنفه عند الإشارة ، 
ف( كفشته ) فاتنة شقراء في سيارة بجانبه !
( وهذا هو الموقف الوحيد الذي جمعه بامرأة ) ..!
لكنه يجد أنه من الأرقى أن يكتب عن جميلته التي حل جديلتها ! 

الناس يمنعها برستيجها ، وأنا ( ليس لدي واحد ) ! 


لا أريد أن أكون شخصية ( فوتوشوبية ) !! 


لن أستطيع أن أخفي أنفي الضخم خلف أنف الوسيم ( تركان ) ! 


بل أستطيع لكنني لا أرغب بذلك .! 



ما العيب في أن يعرف الآخرون أنك عملت ( قرسوناً ) ! 

وأنك قبلت (التيبس) ! 
وأنك أسقطت عدة أطباق في مناسباتٍ مختلفة .! 
وأن السوبر فايزر الفلبيني ( عنّفك ) ! 

لدينا في الحي ثلاثمائة مسنّ ( شايب ) 

كانوا ضمن الأربعين الذين فتحوا الرياض برفقة الملك عبد العزيز ! 

ولدينا في كل موقع تواصل خمسة ( نواف ) مدير البنك السعودي الهولندي في شارع الستين ! 


( إن كان هناك نواف فعلاً ، ومدير للبنك السعودي الهولندي فعلاً ، والبنك في شارع الستين فعلاً، فأنا أعتذر منه لأنني لم أقصد أن أجيب في سيرته بل هي الصدفة فقط ) 



هناك رغبة عنيفة داخل كل شخص يعيش حاضراً ( تافهاً ) 

أن يزور تاريخاً ( عظيماً ، جميلاً ) !
بينما نجد كل إنسان يعيش حاضراً ( مزدهراً ، ناجحاً )
يسعى لتزييف وفبركة تاريخ
( سيئ ، سخيف ، محبط ) !!


( النوع الأول متفشي بين يوزرات الإنترنت عموماً ، حيث تضع لنفسك أساساً ، وتصنع لك شخصية أخرى تعيش في المجتمع البديل حياة أخرى ..! 

حياة كاملة بجميع أبعادها ، كتلك التي تعيشها شخصيتك الحقيقية خلف الشاشة .! ) 



( والنوع الآخر متفشي بين الفنانين والرياضيين والمشاهير عموماً .! 

لا بد لكل فنان ورياضي من تاريخ محبط مليئ بالفشل ، حتى يقول بأنني صنعت نفسي ! 
أنا صاحب الفضل الوحيد في ما أصبحت عليه .! ) 

أنا لست الأول ، ولست الثاني ! 

لا يزال حاضري امتداد لتاريخي ، وعلى الأرجح هو مقدمة لما سوف أعيشه في المستقبل ! 

قد تكون وظيفتي خيراً لي ، وقد لا تكون .! 

قد أصبح شيئاً مهماً وقد لا أصبح ..
قد يموت كل إنسان أحبه اليوم ، وقد يموت لاحقاً ! 
لن أكف عن حبهم بالتأكيد ، ولن أكف عن الاستمتاع بطعم القلق عليهم ! 
الخوف على مستقبلهم ! 

أمي تراني إنساناً عظيماً ! 

والدي يعتقد أن بإمكاني أن أكون أفضل ..
وهذا يعني أنه يراني شيئاً لا بأس به ! 

أما أقصى طموحات ابنتي فهي ألا أذهب إلى العمل ! 

وأن أقضي معها أطول وقتٍ ممكن ! 

أحياناً تؤرقني فكرة واحدة ..

يوماً ما سوف يزول هذا الجمال كله ..
إما لأسباب طبيعية جميعنا نعرفها
أشياء خارجة عن إرادتنا .. 
أو لأسباب أخرى نابعة من حماقتنا ورعونتنا ..

مثلاً : 

خلاف بيني وبين زوجتي ، ثم أقرر أنا فجأة ( أنني لم أعد أحتمل ) ! 
أو تقرر هي ـ برضه فجأة ـ أنني ( أصبحت لا أطاق ) ! 
ثم الطلاق ..
ويتلاشى كل شيء ..
لن يطلب مني أحد بعد ذلك أن أضع الملح في الطعام ! 
حتى لو خربت الطبخة لا ألومها .!
لن أطلب من أي أحد أن يضع الفلفل الأسود على طبق البيض المقلي بدلاً مني ذلك أني مصاب بالحساسية !
لن تنشب بيني وبين أي أحدٍ مزيد من الخلافات ، 
ثم أتظاهر بأني غاضب وأن هذه هي نهاية العالم بشكله الذي نعرفه .! 
أحبس نفسي في غرفة وأتظاهر بأنني أستمع إلى ماجد المهندس ـ الذي أكرهه بالمناسبة ـ 
والله واحشني موت ! 
وتتظاهر هي بأنها تستمع لمايا مصري ـ أخبارك إيه .! 

حتى عندما أغادر المنزل وقد بلغ مني الغضب مبلغه ، أجد أنه لا أحد يحفل بي حقيقة !

وأنني أنتمي إلى هناك ..
إلى المنزل !

في الخارج ، جميعهم يلقي عليك التحية لأنهم تعودوا على ذلك ! 

كلهم يبتسم في وجهك لأن الابتسامة في وجه أخيك صدقة 
والرسول عليه الصلاة والسلام قال ذلك .!
كلهم يعزمك على كوب الشاي الوحيد الذي أمامه ( عزومة مراكبية ) 
لأن الذوق يقول ذلك ! 

الشخص الوحيد الذي يفعل كل ذلك ، لأنه يحب ذلك ،

قابع هناك في البيت !! 

البيت الذي تركته ـ للتو ـ وخرجت منه لفرط حماقتي .!


فأجدني وقد عدت مرغماً نادماً على كل لحظة قضيتها خارجه !


هذا سيناريو محتمل .. 


هناك سيناريو آخر لما ستؤول إليه الأشياء .. 



هل يأتي ذلك اليوم الذي أصبح فيه شيخاً مملاً ! 

أو كهلاً متطلباً ! 
بدلاً من أن أمنح أهلي الأمان والسعادة .! 
أطلبها منهم ، أسرق منهم راحة بالهم واستقرارهم ..!

هل سيتمنى أي أحد منهم أن يقضي وقته معي !! 

..


أنا شخص أعاني من الخوف المرضي بكل أنواعه وأشكاله ..!

لن أسرد أنواع الفوبيا التقليدية ، الخوف من ركوب الطائرات ، والأماكن المغلقة ، والمرتفعات ، والبرق ، الظلام ..
بل وحتى البشر .!

هناك أنواع غير تقليدية من الفوبيا .. 

كنت أخاف من الطلاق حتى قبل أن أتزوج .!
وأخاف من ( الترمّل )
أخاف من فقد الأبناء ..

أنا 

أستيقظ في اليوم مائة مرة لأتفقد حرارة ابنتي ! 
واستقرار تنفسها .!
وأعدِّل وضع جسدها النائم إلى وضع أظن أنا أنه مريح  !
إذا نامت على جانبها الأيسر أفكر هل ذلك مرهق لقلبها الصغير .!
فأعدل وضع جسدها حتى تنام على ظهرها .!
ثم أصبر قليلاً قبل أن أقرر أنها غير مرتاحة في التنفس !

إنها تصدر شخيراً خفيفاً .!


فأهرع من فوري لتغيير جسدها لتنام على الجانب الأيمن ..


أظن أن جسدها يضغط على يدها اليمنى !

وأنا أخاف من الغرغرينا ! 

وهكذا أدخل في دوامة لا تنتهي من التفكير .. 


والآن مع الهوس الناجم عن مرض ( انفلونزا الخنازير ) !


أدفعها لغسل يدها بالجل المطهر كل نصف ساعة ..

ولا أسمح لها بالاختلاط مع الأطفال .. 
ابتعت لها ( قيم بوي ) ، والكثير الكثير من ألعاب فلة وباربي حتى لا تشعر بالملل ! 

تخيلوا مشاعر طفلة صغيرة تضطر لارتداء الكمامات لدى خروجها من المنزل ! 


المشكلة أنني أعرف ـ حقاً ـ كيف تشعر ! 

ومع ذلك لا أستطيع أن أمنع نفسي من الخوف والقلق ، بل الهوس .!

الأشخاص الموسوسون ، هم أشخاص يعانون من شبهة ( مرض عقلي ) 

ويحولون حياة أحبائهم إلى جحيم !
بل وحياتهم هم أنفسهم ..

ولا يستطيعون الاستمتاع بأي دقيقة فرح دون أن يفكروا ألف مرة بأنبوبة الغاز التي ستنفجر !

والسخان ، وماء الشرب الملوث بالأوزون ! 
وسرطان الدم الذي سوف يختار أحبته دوناً عن العالمين ..

والجذام الذي سوف يقطع آلاف الأميال متجاوزاً جميع المناطق المدارية ليصيب أهله وذويه .!

لذلك يحاول هؤلاء ( أي الموسوسون ) أن يزيدوا جرعة الفرح أطول فترة ممكنة !
وأن يطيلوا لحظات السعادة قدر المستطاع ! 
لأن ذبابة التسي تسي لن تلبث أن تعكر صفو تفكيرهم !
يقولون : بأن تلك الذبابة لا تعيش إلا في أفريقيا ..

تباً لهم .! 

وهل ستخبرهم الذبابة إذا ما قررت تغيير مقر إقامتها مثلاً ؟!



هذه أشياء قد تنغص علي هنائي وسعادتي .. 

لكنني أعيش متعة الرحلة ..

عندما أحضن ابنتي ، وأشم رائحة شعرها المتجعد القصير .! 

يخنقني التفاؤل ، وطعم التفاؤل لاذع لمن لم يجربه كثيراً ..
أنا لا أعرف رائحة زهور الجاردينيا ! ( لأنني لا أحب الزهور أيضاً ) 
لكنها حتماً ليست أجمل من رائحة بقعة العرق الصغيرة التي تكونت على المخدة .!
ولا أعرف حاصل خلط زهور الياسمين والسوسن والفل والبيجونيا وزهور البرتقال ! 
لكنني أجزم بأنها لا شيء مقارنة بآثار الرائحة التي يتركها شعرها على راحة يدي !! 



.......



( خرافة اسمها محسن ) !!




إنها سن الحادية عشر أو الثانية عشر ، بداية سنين المراهقة ..

إنها السن التي يبدأ شعورك فيه بالتغير !
كل مافي الأمر أنك تكبر ..
أنت لا تعرف ما الذي يحدث تحديداً ..
لكنك ـ فجأة ـ بدأت تحب جميع طالبات المرحلة المتوسطة ..
وبدأت تعيش قصة حب ( وهمية ) مع جميع فتيات الحي .!
حتى أن حب ( خلود ) يكاد يذهب بصوابك ! 
خلود التي يتضح فيما بعد أنه لا وجود لها ..
وأنها ـ فعلاً ـ من بنات أفكارك !!
كم يبدو التعبير صادقاً ! 

أنت في ( مرحلة المراهقة ) 

فأهلاً ومرحباً بك !!

...

الحقيقة أن هذه السن هي أصعب سني العمر ..
في هذه السن ، يقرر القائمون على مبنى ( مرحلة الطفولة ) !
أن الوقت قد حان لطردك ، وأنك أصبحت عهدة في أيدي العاملين في مبنى
 ( مرحلة الشباب ) !
ناسين أو متناسيين ذاك الزقاق المظلم الضيق بين المبنيين !
مرحلة المراهقة !!
ذلك الزقاق سيئ السمعة ، المليئ بالمشاكل والاضطرابات !
هناك حيث أسامة يدخن ، وسلمان يوزع الصور الخليعة !
وخالد يدعوك لكره الكفار الذين لا تعرفهم ولا يعرفهم هو كذلك !

هذا الزقاق الذي قد يضيع فيه المرء طوال حياته !



في هذه السن ..

حين جربت أول سيجارة .. وشعرت بأنفاسك تضيق !
وأنك موشك على القيئ ..
سعلت بقوة حتى ليوشك ساندوتش الفلافل الذي تناولته صباح اليوم على القفز من عينيك !
لا يبدو في الأمر أي متعة .! 
لكنك تحاول ، وتثابر ، حتى تتمكن من تمرير الأنفاس الملوثة إلى صدرك !
وعندما تنجح في نفثها في خط طويل متصل ! 
يصفق لك أسامة ، ويربت على ظهرك في سعادة !

في هذه السن ..

حين كنت تفاخر بأنك صاحب أكبر بقعة ( مشق ) في يدك !
وأكبر شق طولي في ( كعب رجلك ) !
وأنك صاحب أقذر قميص .. 
وأسوأ نتائج دراسية ..!
وحامل الرقم القياسي في المكوث خارج المنزل !

في هذه السن ..

حين انتهت تسلية الأطفال البريئة ! 
المقتصرة على القفز والنطنطة ..
وبدأت تسلية المراهقين ـ البريئة كذلك ـ المتمثلة في رمي القطط بالحجارة !
وتكسير زجاج السيارات ، والسرقة من ( بندة ) للمتعة ، وللمتعة فقط !!


في هذه السن ..

حين بدأت تتشكل لديك موهبة الأذية ، ولو كنت في أمريكا لأصبحت مشروع
 ( قاتل متسلسل ) 
لا يشق له غبار !
هناك حيث يشكون في أن أي طفل لا يسمع كلمة ماما ، ويصرخ كثيراً ، ويبكي ، ويضطر والده لضربه ، ويزعج الأطفال ، ويرمي الحيوانات بالحجارة ! 
أي طفلٍ يحمل تلك الصفات هو مشروع قاتل متسلسل ولا بد !!

لو كنت هناك ، لقمت بقتل أي شخصٍ أحول !

على اعتبار أنني ( أحول ) كذلك ..
ومن الطبيعي أن أكون معقداً كارهاً للحول ..!
أو أقوم بقتل كل إنسانٍ يتحدث عن القضية الفلسطينية !
ثم أتظاهر بالجنون ، وأدعي بأنني كنت أنفذ أوامر الله ..
وأن الوحي قد جاءني بضرورة قتل كل من ( يتحدث ) عن القضية ..
لأنه يظهر على حساب كل من ( يفعل ) لأجل القضية !
ثم أقضي فترة لا بأس بها في السجن ..
ثم مصحة ، ثم أقوم بتأليف كتابٍ ناجحٍ عن ( القضية ) !
وأصبح مليونيراً !


في هذه السن ..



حين ظهر ( محسن ) !!


...

لم يكن غريباً أنني همت حباً بمحسن ..
ومن الأحمق الذي لم يفعل !

إنه النموذج الموحد للمراهق السوبر ، لقد كان صاحب أسوأ نتائج دراسية !

في الثالثة عشر من عمره ولا يزال في الصف الرابع الابتدائي !
لديه بقع ( مشق ) منتشرة على أجزاء متفرقة من جسده !
وهي موجودة طوال فترة العام !
أي ليست مشقاً موسمياً مثل الذي لدينا ..

ثم إنه صاحب الأرقام العالمية للمكوث خارج المنزل !

إنه لا يدخل منزله إلا نادراً ، ربما لغرض ( تليين العضلات ) مثلاً !


يكرهه جميع الآباء والأمهات ، هناك أكثر من أب أقسم على أنه شاهده وهو يلعب بمحتويات ( الزبالة ) ! 

معتقدين بأنهم ينفرون أولادهم ( المتربين كويس ) من ذاك المسخ .!
ولم يجل بخاطرهم أن هذه من علامات ( الفذاذة ) ..

والأجمل من كل ما سبق ، أن محسن لديه أروع أبٍ في الوجود .!

والده هو الحلم الأوحد لكل مراهقي العالم .!
ببساطة لديه أب غير موجود على الإطلاق !

الأب صاحب معرض للسيارات ، من الآباء التقليديين المؤمنين بأن مهمتهم في الحياة هي أن يملأ ثلاجة المنزل باللحم والدجاج والتفاح والموز ! 

وتجميل فناء المنزل ب(بيت شعر) جميل !

إنه يفعل كل ذلك وأكثر بكل تمكن واقتدار ..

وقد ترك مهمة تربية الأولاد لأمهم ..
الأم الحنون بطبعها ، التي سرعان ما تنسى كل التهديدات والوعود أمام قبلة من محسن .!
أو تلك الطريقة الماكرة التي يقنع بها أمه ، حين يقصر رقبته حتى لتكاد توشك على الالتحام بكتفيه ! 
ثم يرسم أسمى آيات البراءة على محياه ، ويترجاها بانكسار أن تسمح له باللعب خارجاً !
وطريقته هذه هي التي سرقها القط الشهير puss في فلم شرِك ! 

الحقيقة أننا كنا نحسد محسن ولا نغبطه طبعاً !


لقد عانينا من آباء متواجدين على الدوام ..

لا يعجز عقلهم الكبير عن ابتكار مئات الذرائع التي تتيح لهم تقييدك وكبتك !
لا يكف أحدهم عن إخبارك عن آلاف الأشياء التي لا يجب عليك فعلها !
والتي سوف تفهم الحكمة من عدم فعلها عندما تكبر !!
أو يصدعون رأسك بالحديث عن آلاف الأشياء الأخرى التي ندموا على عدم فعلها ! 
ويريدون منا أن نفعلها !

وأنا الآن نادم جداً على كل الأشياء التي لم يتسنّ لي فعلها ..

ذاك أني كنت منشغل بفعل الأشياء التي لم يتمكن والدي من فعلها لأنه لم يجد الوقت الكافي ليفعل !!!

لن أخبركم بها ، حتى لا يأتي اليوم الذي يقرأ فيه ابني ( فارس ) هذا الكلام !

هو لم يأت بعد ، لكنني على وشك القيام بذلك بمشيئة الله !

أريده أن يفعل الأشياء التي يريد فعلها ، ويحب فعلها !

لا بد من ( أسامة ) آخر يدعوه لتجربة أول سيجارة !

هذه من أطوار النمو الطبيعية التي يمر بها أي ( بني آدم ) !

سوف يمر بمرحلة يملأ بها حفاضاته بالكثير من الأشياء الـيعّ !
وسوف يقلع عن الحفاضات عندما يكبر ، فقط ليفعل مزيداً من اليعّ ، ولكن هذه المرة على الفراش !!
لن أمنعه من فعل كل ذلك ، لكنني ـ بالتأكيد ـ سوف أكون بجانبه عندما يفعل !
سوف أنظف خلفه !
لن أخبره بأن السجائر سيئة ، وأنه سوف يعرف كم هي ( كخ ) عندما يكبر !!
بل سوف آخذه بنفسي إلى أقرب مستشفى ، وأريه المئات ممن استئصلت حناجرهم !
ومن أصيبوا بالسرطان ، ومن ماتوا !
سوف أفعل كل ذلك ، لكنني قطعاً لن أمنعه من الخروج لأن ( أسامة ) قادر على الدخول إلى بيتي !
مهما تحصنت !!