السبت، 25 مايو 2013

سوفَ أعودُ قبلَ شويّ .!!

...
..

الشيء الوحيد الذي يستطيع فعله مريض الفشل الكلوي حتى يؤخر مسألة رحيله عن هذه الدنيا هو غسيل الكلى .! 

فما الذي يستطيع فعله مريض الفشل القلبي ؟!

غسيل قلب طبعاً .! 


أحب ممارسة غسيل القلب ..
وهو شيء أشبه بغسيل الكلى الذي يتعرض له مرضى الفشل الكلوي ..
أي أنه العلاج الناجع الوحيد لمرضى الفشل القلبي ..

الفضفضة ..

أنت تمنح شيئاً رخيصاً ، وهو الكلام أو الكتابة ..
فتحصد الراحة ، والسكينة والسلام ..
صفحة واحدة تتخلص منها ، كفيلة بإزالة أطنان من الصديد الجاثم على روحك ..


\
\

تداعي الذكريات لعبة جميلة أحب أن ألعبها بين الحين والآخر ..
دع كل شيء يخرج ، الشيء الحقيقي وليس الشيء الذي يكتبه هواة المذكرات ..
يعني لا تصنع من نفسك بطلاً على الورق ..
لأنك لن تصبح كذلك حقيقة ، تحدث عن أمور حقيقية في حياتك ..
فالحياة كفيلة بأن تجعل منك بطلاً حتى ولو كنت فاقد الأهلية ..
الخيبات ، الصراعات ، الفشل ، العبثية ..

هذه بطولة تستحق أن يسمعها أحد ..

على الأقل هي حياتك .!



أهلاً بكم مرة أخرى 


\
\

أما كيف تعرف أنك مصاب بالفشل القلبي .؟


فمعرفة ذلك سهلة .. 

هل تمت تهيئتك لتكون طبيباً ، فأصبحت موظف استقبال للفترة المسائية في مستوصف خاص ! 
تتسلى بمشاهدة الجراح وهو يقوم بتطهير الرضع .! 
أو الـ ( Circumcision ) للمتحذلقين ..! 

هل كنت تحلم بأن تصبح لاعب كرة قدم سيئ .! 
أو مذيع تلفزيوني فاشل ! 
أو مطرب شعبي رديئ !
ولكن كان هناك من يحلم ( لك ) لتكون مهندساً !! 

لم تصبح أي شيء مما خطر في أحلامك .. 
وأثبت لك ذاك الأحدهم أنك لا تجيد الحلم !
لكنك في المقابل ـ لم تصبح مهندساً ـ 
مما يعني أنك عجزت عن تحقيق حلمك الخاص .!
فكيف تستطيع تحقيق حلم الآخرين ..!

هل كرهت نفسك يوماً لأنك لم تستطع تحقيق آمال وتطلعات الآخرين ؟!
هل تحملت وزر الإحباط الذي شعرت به أمك لأنك لم تصبح معلماً ؟!
هل تشعر بأنك أفضل من الآخرين ، لكن الظروف لم تنصفك ؟!
هل شعرت بأنه لا هم للعالم إلا أن يقف ضدك ويؤخرك ويهدم أحلامك ؟!

إذن .!!

أهلاً بك في نادي ( الفشل القلبي ) .! 



.. 




الجميع يرغب بأن يكتب عن فشله في اختبارات الثانوية ، 
عن موقفه المحرج وهو يسبر غوار أنفه عند الإشارة ، 
ف( كفشته ) فاتنة شقراء في سيارة بجانبه !
( وهذا هو الموقف الوحيد الذي جمعه بامرأة ) ..!
لكنه يجد أنه من الأرقى أن يكتب عن جميلته التي حل جديلتها ! 

الناس يمنعها برستيجها ، وأنا ( ليس لدي واحد ) ! 


لا أريد أن أكون شخصية ( فوتوشوبية ) !! 


لن أستطيع أن أخفي أنفي الضخم خلف أنف الوسيم ( تركان ) ! 


بل أستطيع لكنني لا أرغب بذلك .! 



ما العيب في أن يعرف الآخرون أنك عملت ( قرسوناً ) ! 

وأنك قبلت (التيبس) ! 
وأنك أسقطت عدة أطباق في مناسباتٍ مختلفة .! 
وأن السوبر فايزر الفلبيني ( عنّفك ) ! 

لدينا في الحي ثلاثمائة مسنّ ( شايب ) 

كانوا ضمن الأربعين الذين فتحوا الرياض برفقة الملك عبد العزيز ! 

ولدينا في كل موقع تواصل خمسة ( نواف ) مدير البنك السعودي الهولندي في شارع الستين ! 


( إن كان هناك نواف فعلاً ، ومدير للبنك السعودي الهولندي فعلاً ، والبنك في شارع الستين فعلاً، فأنا أعتذر منه لأنني لم أقصد أن أجيب في سيرته بل هي الصدفة فقط ) 



هناك رغبة عنيفة داخل كل شخص يعيش حاضراً ( تافهاً ) 

أن يزور تاريخاً ( عظيماً ، جميلاً ) !
بينما نجد كل إنسان يعيش حاضراً ( مزدهراً ، ناجحاً )
يسعى لتزييف وفبركة تاريخ
( سيئ ، سخيف ، محبط ) !!


( النوع الأول متفشي بين يوزرات الإنترنت عموماً ، حيث تضع لنفسك أساساً ، وتصنع لك شخصية أخرى تعيش في المجتمع البديل حياة أخرى ..! 

حياة كاملة بجميع أبعادها ، كتلك التي تعيشها شخصيتك الحقيقية خلف الشاشة .! ) 



( والنوع الآخر متفشي بين الفنانين والرياضيين والمشاهير عموماً .! 

لا بد لكل فنان ورياضي من تاريخ محبط مليئ بالفشل ، حتى يقول بأنني صنعت نفسي ! 
أنا صاحب الفضل الوحيد في ما أصبحت عليه .! ) 

أنا لست الأول ، ولست الثاني ! 

لا يزال حاضري امتداد لتاريخي ، وعلى الأرجح هو مقدمة لما سوف أعيشه في المستقبل ! 

قد تكون وظيفتي خيراً لي ، وقد لا تكون .! 

قد أصبح شيئاً مهماً وقد لا أصبح ..
قد يموت كل إنسان أحبه اليوم ، وقد يموت لاحقاً ! 
لن أكف عن حبهم بالتأكيد ، ولن أكف عن الاستمتاع بطعم القلق عليهم ! 
الخوف على مستقبلهم ! 

أمي تراني إنساناً عظيماً ! 

والدي يعتقد أن بإمكاني أن أكون أفضل ..
وهذا يعني أنه يراني شيئاً لا بأس به ! 

أما أقصى طموحات ابنتي فهي ألا أذهب إلى العمل ! 

وأن أقضي معها أطول وقتٍ ممكن ! 

أحياناً تؤرقني فكرة واحدة ..

يوماً ما سوف يزول هذا الجمال كله ..
إما لأسباب طبيعية جميعنا نعرفها
أشياء خارجة عن إرادتنا .. 
أو لأسباب أخرى نابعة من حماقتنا ورعونتنا ..

مثلاً : 

خلاف بيني وبين زوجتي ، ثم أقرر أنا فجأة ( أنني لم أعد أحتمل ) ! 
أو تقرر هي ـ برضه فجأة ـ أنني ( أصبحت لا أطاق ) ! 
ثم الطلاق ..
ويتلاشى كل شيء ..
لن يطلب مني أحد بعد ذلك أن أضع الملح في الطعام ! 
حتى لو خربت الطبخة لا ألومها .!
لن أطلب من أي أحد أن يضع الفلفل الأسود على طبق البيض المقلي بدلاً مني ذلك أني مصاب بالحساسية !
لن تنشب بيني وبين أي أحدٍ مزيد من الخلافات ، 
ثم أتظاهر بأني غاضب وأن هذه هي نهاية العالم بشكله الذي نعرفه .! 
أحبس نفسي في غرفة وأتظاهر بأنني أستمع إلى ماجد المهندس ـ الذي أكرهه بالمناسبة ـ 
والله واحشني موت ! 
وتتظاهر هي بأنها تستمع لمايا مصري ـ أخبارك إيه .! 

حتى عندما أغادر المنزل وقد بلغ مني الغضب مبلغه ، أجد أنه لا أحد يحفل بي حقيقة !

وأنني أنتمي إلى هناك ..
إلى المنزل !

في الخارج ، جميعهم يلقي عليك التحية لأنهم تعودوا على ذلك ! 

كلهم يبتسم في وجهك لأن الابتسامة في وجه أخيك صدقة 
والرسول عليه الصلاة والسلام قال ذلك .!
كلهم يعزمك على كوب الشاي الوحيد الذي أمامه ( عزومة مراكبية ) 
لأن الذوق يقول ذلك ! 

الشخص الوحيد الذي يفعل كل ذلك ، لأنه يحب ذلك ،

قابع هناك في البيت !! 

البيت الذي تركته ـ للتو ـ وخرجت منه لفرط حماقتي .!


فأجدني وقد عدت مرغماً نادماً على كل لحظة قضيتها خارجه !


هذا سيناريو محتمل .. 


هناك سيناريو آخر لما ستؤول إليه الأشياء .. 



هل يأتي ذلك اليوم الذي أصبح فيه شيخاً مملاً ! 

أو كهلاً متطلباً ! 
بدلاً من أن أمنح أهلي الأمان والسعادة .! 
أطلبها منهم ، أسرق منهم راحة بالهم واستقرارهم ..!

هل سيتمنى أي أحد منهم أن يقضي وقته معي !! 

..


أنا شخص أعاني من الخوف المرضي بكل أنواعه وأشكاله ..!

لن أسرد أنواع الفوبيا التقليدية ، الخوف من ركوب الطائرات ، والأماكن المغلقة ، والمرتفعات ، والبرق ، الظلام ..
بل وحتى البشر .!

هناك أنواع غير تقليدية من الفوبيا .. 

كنت أخاف من الطلاق حتى قبل أن أتزوج .!
وأخاف من ( الترمّل )
أخاف من فقد الأبناء ..

أنا 

أستيقظ في اليوم مائة مرة لأتفقد حرارة ابنتي ! 
واستقرار تنفسها .!
وأعدِّل وضع جسدها النائم إلى وضع أظن أنا أنه مريح  !
إذا نامت على جانبها الأيسر أفكر هل ذلك مرهق لقلبها الصغير .!
فأعدل وضع جسدها حتى تنام على ظهرها .!
ثم أصبر قليلاً قبل أن أقرر أنها غير مرتاحة في التنفس !

إنها تصدر شخيراً خفيفاً .!


فأهرع من فوري لتغيير جسدها لتنام على الجانب الأيمن ..


أظن أن جسدها يضغط على يدها اليمنى !

وأنا أخاف من الغرغرينا ! 

وهكذا أدخل في دوامة لا تنتهي من التفكير .. 


والآن مع الهوس الناجم عن مرض ( انفلونزا الخنازير ) !


أدفعها لغسل يدها بالجل المطهر كل نصف ساعة ..

ولا أسمح لها بالاختلاط مع الأطفال .. 
ابتعت لها ( قيم بوي ) ، والكثير الكثير من ألعاب فلة وباربي حتى لا تشعر بالملل ! 

تخيلوا مشاعر طفلة صغيرة تضطر لارتداء الكمامات لدى خروجها من المنزل ! 


المشكلة أنني أعرف ـ حقاً ـ كيف تشعر ! 

ومع ذلك لا أستطيع أن أمنع نفسي من الخوف والقلق ، بل الهوس .!

الأشخاص الموسوسون ، هم أشخاص يعانون من شبهة ( مرض عقلي ) 

ويحولون حياة أحبائهم إلى جحيم !
بل وحياتهم هم أنفسهم ..

ولا يستطيعون الاستمتاع بأي دقيقة فرح دون أن يفكروا ألف مرة بأنبوبة الغاز التي ستنفجر !

والسخان ، وماء الشرب الملوث بالأوزون ! 
وسرطان الدم الذي سوف يختار أحبته دوناً عن العالمين ..

والجذام الذي سوف يقطع آلاف الأميال متجاوزاً جميع المناطق المدارية ليصيب أهله وذويه .!

لذلك يحاول هؤلاء ( أي الموسوسون ) أن يزيدوا جرعة الفرح أطول فترة ممكنة !
وأن يطيلوا لحظات السعادة قدر المستطاع ! 
لأن ذبابة التسي تسي لن تلبث أن تعكر صفو تفكيرهم !
يقولون : بأن تلك الذبابة لا تعيش إلا في أفريقيا ..

تباً لهم .! 

وهل ستخبرهم الذبابة إذا ما قررت تغيير مقر إقامتها مثلاً ؟!



هذه أشياء قد تنغص علي هنائي وسعادتي .. 

لكنني أعيش متعة الرحلة ..

عندما أحضن ابنتي ، وأشم رائحة شعرها المتجعد القصير .! 

يخنقني التفاؤل ، وطعم التفاؤل لاذع لمن لم يجربه كثيراً ..
أنا لا أعرف رائحة زهور الجاردينيا ! ( لأنني لا أحب الزهور أيضاً ) 
لكنها حتماً ليست أجمل من رائحة بقعة العرق الصغيرة التي تكونت على المخدة .!
ولا أعرف حاصل خلط زهور الياسمين والسوسن والفل والبيجونيا وزهور البرتقال ! 
لكنني أجزم بأنها لا شيء مقارنة بآثار الرائحة التي يتركها شعرها على راحة يدي !! 



.......



( خرافة اسمها محسن ) !!




إنها سن الحادية عشر أو الثانية عشر ، بداية سنين المراهقة ..

إنها السن التي يبدأ شعورك فيه بالتغير !
كل مافي الأمر أنك تكبر ..
أنت لا تعرف ما الذي يحدث تحديداً ..
لكنك ـ فجأة ـ بدأت تحب جميع طالبات المرحلة المتوسطة ..
وبدأت تعيش قصة حب ( وهمية ) مع جميع فتيات الحي .!
حتى أن حب ( خلود ) يكاد يذهب بصوابك ! 
خلود التي يتضح فيما بعد أنه لا وجود لها ..
وأنها ـ فعلاً ـ من بنات أفكارك !!
كم يبدو التعبير صادقاً ! 

أنت في ( مرحلة المراهقة ) 

فأهلاً ومرحباً بك !!

...

الحقيقة أن هذه السن هي أصعب سني العمر ..
في هذه السن ، يقرر القائمون على مبنى ( مرحلة الطفولة ) !
أن الوقت قد حان لطردك ، وأنك أصبحت عهدة في أيدي العاملين في مبنى
 ( مرحلة الشباب ) !
ناسين أو متناسيين ذاك الزقاق المظلم الضيق بين المبنيين !
مرحلة المراهقة !!
ذلك الزقاق سيئ السمعة ، المليئ بالمشاكل والاضطرابات !
هناك حيث أسامة يدخن ، وسلمان يوزع الصور الخليعة !
وخالد يدعوك لكره الكفار الذين لا تعرفهم ولا يعرفهم هو كذلك !

هذا الزقاق الذي قد يضيع فيه المرء طوال حياته !



في هذه السن ..

حين جربت أول سيجارة .. وشعرت بأنفاسك تضيق !
وأنك موشك على القيئ ..
سعلت بقوة حتى ليوشك ساندوتش الفلافل الذي تناولته صباح اليوم على القفز من عينيك !
لا يبدو في الأمر أي متعة .! 
لكنك تحاول ، وتثابر ، حتى تتمكن من تمرير الأنفاس الملوثة إلى صدرك !
وعندما تنجح في نفثها في خط طويل متصل ! 
يصفق لك أسامة ، ويربت على ظهرك في سعادة !

في هذه السن ..

حين كنت تفاخر بأنك صاحب أكبر بقعة ( مشق ) في يدك !
وأكبر شق طولي في ( كعب رجلك ) !
وأنك صاحب أقذر قميص .. 
وأسوأ نتائج دراسية ..!
وحامل الرقم القياسي في المكوث خارج المنزل !

في هذه السن ..

حين انتهت تسلية الأطفال البريئة ! 
المقتصرة على القفز والنطنطة ..
وبدأت تسلية المراهقين ـ البريئة كذلك ـ المتمثلة في رمي القطط بالحجارة !
وتكسير زجاج السيارات ، والسرقة من ( بندة ) للمتعة ، وللمتعة فقط !!


في هذه السن ..

حين بدأت تتشكل لديك موهبة الأذية ، ولو كنت في أمريكا لأصبحت مشروع
 ( قاتل متسلسل ) 
لا يشق له غبار !
هناك حيث يشكون في أن أي طفل لا يسمع كلمة ماما ، ويصرخ كثيراً ، ويبكي ، ويضطر والده لضربه ، ويزعج الأطفال ، ويرمي الحيوانات بالحجارة ! 
أي طفلٍ يحمل تلك الصفات هو مشروع قاتل متسلسل ولا بد !!

لو كنت هناك ، لقمت بقتل أي شخصٍ أحول !

على اعتبار أنني ( أحول ) كذلك ..
ومن الطبيعي أن أكون معقداً كارهاً للحول ..!
أو أقوم بقتل كل إنسانٍ يتحدث عن القضية الفلسطينية !
ثم أتظاهر بالجنون ، وأدعي بأنني كنت أنفذ أوامر الله ..
وأن الوحي قد جاءني بضرورة قتل كل من ( يتحدث ) عن القضية ..
لأنه يظهر على حساب كل من ( يفعل ) لأجل القضية !
ثم أقضي فترة لا بأس بها في السجن ..
ثم مصحة ، ثم أقوم بتأليف كتابٍ ناجحٍ عن ( القضية ) !
وأصبح مليونيراً !


في هذه السن ..



حين ظهر ( محسن ) !!


...

لم يكن غريباً أنني همت حباً بمحسن ..
ومن الأحمق الذي لم يفعل !

إنه النموذج الموحد للمراهق السوبر ، لقد كان صاحب أسوأ نتائج دراسية !

في الثالثة عشر من عمره ولا يزال في الصف الرابع الابتدائي !
لديه بقع ( مشق ) منتشرة على أجزاء متفرقة من جسده !
وهي موجودة طوال فترة العام !
أي ليست مشقاً موسمياً مثل الذي لدينا ..

ثم إنه صاحب الأرقام العالمية للمكوث خارج المنزل !

إنه لا يدخل منزله إلا نادراً ، ربما لغرض ( تليين العضلات ) مثلاً !


يكرهه جميع الآباء والأمهات ، هناك أكثر من أب أقسم على أنه شاهده وهو يلعب بمحتويات ( الزبالة ) ! 

معتقدين بأنهم ينفرون أولادهم ( المتربين كويس ) من ذاك المسخ .!
ولم يجل بخاطرهم أن هذه من علامات ( الفذاذة ) ..

والأجمل من كل ما سبق ، أن محسن لديه أروع أبٍ في الوجود .!

والده هو الحلم الأوحد لكل مراهقي العالم .!
ببساطة لديه أب غير موجود على الإطلاق !

الأب صاحب معرض للسيارات ، من الآباء التقليديين المؤمنين بأن مهمتهم في الحياة هي أن يملأ ثلاجة المنزل باللحم والدجاج والتفاح والموز ! 

وتجميل فناء المنزل ب(بيت شعر) جميل !

إنه يفعل كل ذلك وأكثر بكل تمكن واقتدار ..

وقد ترك مهمة تربية الأولاد لأمهم ..
الأم الحنون بطبعها ، التي سرعان ما تنسى كل التهديدات والوعود أمام قبلة من محسن .!
أو تلك الطريقة الماكرة التي يقنع بها أمه ، حين يقصر رقبته حتى لتكاد توشك على الالتحام بكتفيه ! 
ثم يرسم أسمى آيات البراءة على محياه ، ويترجاها بانكسار أن تسمح له باللعب خارجاً !
وطريقته هذه هي التي سرقها القط الشهير puss في فلم شرِك ! 

الحقيقة أننا كنا نحسد محسن ولا نغبطه طبعاً !


لقد عانينا من آباء متواجدين على الدوام ..

لا يعجز عقلهم الكبير عن ابتكار مئات الذرائع التي تتيح لهم تقييدك وكبتك !
لا يكف أحدهم عن إخبارك عن آلاف الأشياء التي لا يجب عليك فعلها !
والتي سوف تفهم الحكمة من عدم فعلها عندما تكبر !!
أو يصدعون رأسك بالحديث عن آلاف الأشياء الأخرى التي ندموا على عدم فعلها ! 
ويريدون منا أن نفعلها !

وأنا الآن نادم جداً على كل الأشياء التي لم يتسنّ لي فعلها ..

ذاك أني كنت منشغل بفعل الأشياء التي لم يتمكن والدي من فعلها لأنه لم يجد الوقت الكافي ليفعل !!!

لن أخبركم بها ، حتى لا يأتي اليوم الذي يقرأ فيه ابني ( فارس ) هذا الكلام !

هو لم يأت بعد ، لكنني على وشك القيام بذلك بمشيئة الله !

أريده أن يفعل الأشياء التي يريد فعلها ، ويحب فعلها !

لا بد من ( أسامة ) آخر يدعوه لتجربة أول سيجارة !

هذه من أطوار النمو الطبيعية التي يمر بها أي ( بني آدم ) !

سوف يمر بمرحلة يملأ بها حفاضاته بالكثير من الأشياء الـيعّ !
وسوف يقلع عن الحفاضات عندما يكبر ، فقط ليفعل مزيداً من اليعّ ، ولكن هذه المرة على الفراش !!
لن أمنعه من فعل كل ذلك ، لكنني ـ بالتأكيد ـ سوف أكون بجانبه عندما يفعل !
سوف أنظف خلفه !
لن أخبره بأن السجائر سيئة ، وأنه سوف يعرف كم هي ( كخ ) عندما يكبر !!
بل سوف آخذه بنفسي إلى أقرب مستشفى ، وأريه المئات ممن استئصلت حناجرهم !
ومن أصيبوا بالسرطان ، ومن ماتوا !
سوف أفعل كل ذلك ، لكنني قطعاً لن أمنعه من الخروج لأن ( أسامة ) قادر على الدخول إلى بيتي !
مهما تحصنت !! 




البيض كلُّه في سلّةٍ واحدة .!!

..
.


الحمد لله أنني لست همنغواي .. 
أديب أمريكا العظيم ..
يقولون بأنه انتحر لأن الإبداع لم يعد يزره ، ففضل الموت باختياره ، على أن ينضب !
يقولون ـ أيضاً ـ بأنه كان يعيش لكي يكتب .! 
أي أنه فقد علاقته الوحيدة والجميلة بالحياة ، ففضل الرحيل ..
أما من يكتب ليعيش ، فليس لديه مشكلة ، قد يكون تارة واعظاً ، يحث الناس على الطاعات .! 
وقد يكون منظِّراً يرتدي عباءة العالم ببواطن الأمور ، قد يصبح محرراً رياضياً ، أو فنياً .! 
قد يفعل أي شيء ليعيش .! 

أنا لست من الشق الأول ..
لست من العظماء الذين يقلقهم أمر إبداعهم ،
والذين يؤرقهم الحفاظ على مستوى أعمالهم ، 
لست نجيب محفوظ الذي اعتزل ـ أول مرة ـ بعد كتابته للثلاثية .!
ولست ميخائيل نعيمة ..
الذي خشي أن يؤثر السن على إبداعه ..
فاعتزل ..

لا تقلقني قضية التكرار ، والخمول ، والنضوب ، والخوف المزمن من الحفاظ على المستوى ، 

كنت قد قرأت رأي المبدع حسن طلب : يقول قد يتظاهر الكاتب بالاعتزال أمام نفسه وكأنه يحتج على مستواه المتدني ، إذا خذله إبداعه .. وكأنه يتدلل على إبداعه !!


طبعاً مع احترامي للأشياء هذا كلام فاضي ، طيب واحد تدلل على إبداعه وإبداعه طنّشه .!
هل ينتحر مثلما فعل هامنجواي !!

حسناً .. 
كنت أقول بأنني لست من الشق الأول ..

كذلك لست من الشق الثاني .. 
الذي يكتب ليعيش ..
الذي من الممكن أن يغير قناعاته ، ويتحكم بقياسات مبادئه كلما دعته الحاجة ..
والذي يحمل قضاياه وهمومه في شنطة .. 
كلما ارتفعت أسهم قضية أخرج ملفها من الشنطة وتاجر بها .!!


المسألة بكل صراحة ..
مسألة بيض .!

الكتابة ـ بالنسبة لي ـ مسألة بيض .!
أكسر كل بيضة في طبق منفصل .!

البيضة الفاسدة ، ترمى ، هكذا بكل بساطة .!!
الأمر لا يستأهل القلق ..
ليست نهاية العالم أن تكون بيضتك غير قابلة للأكل !!

والبيضة الجيدة تكون وجبة مباركة .!
ليس بالضرورة دسمة ، قد تصنع منها الذائقة الجيدة طبق عجة محترم ، 
والذائقة المتحذلقة تحولها لطبق أومليت يفتخر بذاته ..
والذائقة العربجية تحولها لطبق بيض بالشطة ..

هو مجرد بيض في النهاية .!!

ما الذي سوف يحصل إذا وضع كل البيض في سلة واحدة ..

نكاية بالنصيحة الأزلية ، 

لا تخاطر ..


لا تضع كل البيض في سلة واحدة ..



كنت ـ ولا زلت ـ أكره قضية التفاحة التي تفسد غيرها من التفاح .!
دائماً يقولون : ماذا يحصل يا شاطر لو تركت تفاحة فاسدة في صندوق تفاح جيد !!
سوف يفسد باقي التفاح طبعاً .!
لذلك من الأفضل أن تعزل التفاحة الفاسدة ..

طيب لو رمينا التفاحة الفاسدة ، وتركنا باقي التفاح ألن يفسد بدوره !!
يعني التفاحة الفاسدة مالها ذنب ، يعني ما قد سمعت في حياتي عن تفاح يعدي غيره ..
هل يا ترى البيض له نفس المبادئ .!! 
ويتعامل بنفس الكيفية ..

هل لو وضعت البيض كلّه في سلة واحدة سوف ينكسر البيض كله ..
أم تفسد بيضة واحدة كل البيض الباقي ..



لا أعرف ..


سوف أجرب ، ونترك الحكم لحضراتكم في النهاية 


البيضة الأولى 





المظهر .. أبو النجاة 






..
.


إنها جميلة ..



لا أعرف إن كانت طويلة حقاً ،

أم أنه ذاك الحذاء الجلدي الفاخر ذو العنق الطويل والكعب العالي هو السبب ..



صحيح أيضاً أنها ترتدي نظارة شمسية كبيرة تخفي ثلثي وجهها ، 

وتضع غطاء رأس ، يظهر النصف الأمامي من شعرها ، ذاك الذي حرصت على تزيينه بخصلاتٍ ذهبية شاحبة ، 

حولت شعرها إلى شيء يشبه أسلاك الدوائر الألكترونية في تلفاز ياباني قديم ، 

و لكنها ـ بالرغم من ذلك ـ جميلة .! 



وصحيح أيضاً ، أن النظارة الهائلة توشك على سحق أنفها ، وأنه لم يظهر من وجهها إلا فكها السفلي .! 

لكنها بالرغم من ذلك جميلة .. 



وأعتقد بأنها ـ بقليل من الخيال ـ تشبه ممثلة لبنانية تمثل في الأفلام المصرية .. 



صارحت صديقي بذلك ، 

وسألته: ألا تشبه الممثلة اللبنانية التي مثلت في فلم شورت وفنيلة وكاب ؟



أجاب: تقصد نور ؟



ميزت نبرة احتجاج واضحة في صوته، مما جعلني أستدرك :



لا أقصد بأن نور جميلة أقول فقط بأن هذه تشبهها .! 



نظر إلي نظرة استنكار ثم قال : بل نور جميلة حقاً ، لكن هذه لا تشبهها على الإطلاق .! 



إنها عادية ، كل ما في الأمر أنك ـ وبمجرد دخولك لحديقة الحيوان ـ

تصبح هشاُ قابلاً لأن تحب أي شيء ، هذا الجو الحقيقي ، سحر الطبيعة ، يؤثر فيك ! 





قلت له مؤيداً : أي والله ، أنا على استعداد تام لأن أحب أنثى الفقمة لو رأيتها في هذا الجو الساحر .!



طيور عديدة بعضها يغرد وبعضها يشقشق ويزقزق ، خليط من القرود والكناري والذئاب والأسود ، والأشجار والماء والهواء البارد المنعش .! 







وأنا ـ بالكاد ـ أقاوم رغبة عارمة بأن أقفز بملابسي في نافورة المياه هذه .! 



استطرد قائلاً : ثم من الواضح جداً أنها تمثل .! إنها تعرف أن هناك من يسترق النظر .! 



نظرت إلى الفتاة الفاتنة ( العادية ) 



فوجدت أنها فعلاً تمثل ، إنها تمشي بتلك الطريقة التي يصورون بها الفتيات الحالمات بالسينما .! 



كل خطوتين تنظر إلى الأعلى ، ثم تمشي بأن تقاطع بين قدميها وكأنها سارحة ، تتظاهر بالشرود والنظر إلى السماء .! 



هذه فتاة تعرف أنها ـ بطبيعة الحال ـ تحت أنظار الشباب الحمقى .! 



أنا لا أبدو كالشباب أبداً ، لكني بالتأكيد أبدو كالحمقى .! 



إذن هي تعرف أن هناك غير واحد يراقبها ، فاستمتعت بأداء الدور .! 



مرّ بجانبها طفل صغير يتدلى لسانه خارج فمه سامحاً للعابه أن يعبر عن شعوره ، ويسيل مخاطه على شفته العليا ،
فلم تمنع نفسها من أن تربت على رأسه من باب الـ ( ياي يا دلبو ) ، ثم أخرجت منديلاً من حقيبتها ومسحت المصائب التي تسيل من فتحات وجهه الخمسة .!

ثم أطلقته وهي تحرسه بنظراتها الحالمة .! 





....
...




مجتمعنا العربي يجبر كل من يعيش فيه على أن يكون لهم ( مظهر ) ..

إن المظاهر هي أقصر طريق نحو الكمال .. 



نحن لا نسعى لأن نكون حضاريين ومثقفين وواعين ومنفتحين ، 

لأن السعي متعب ، لذلك نتظاهر بأننا كذلك .! 



من الجميل أن يكون المجتمع متنوعاً ، خليطاً من المتشددين والوسطيين والليبراليين والوجوديين والدشير واللاشيئيين .! 



لكني ـ وحتى هذه اللحظة ـ لم أصادف شيئاً أصلياً حقيقياً يصلح لأن يكون أنموذجاً لما سبق ذكره .! 



المتشدد الحالي ليس متشدداً حقيقياً ، أي أنه ليس متمسكاً برأيه ولا يرغب حقيقة بالتخلي عنه !

هو مجرد كسلٍ فكري .. 

مجرد شخص تبنى أول رأي سمعه ، ومن الصعوبة أن يتنازل عن هذا الرأي مقابل أي رأي آخر ، 
ما لم يصدر من نفس الجهة المسئولة عن رأيه الأول ! 



ولم أصادف ليبرالياً حقيقياً .! 

هم مجرد أشخاص يقولون بأنهم كذلك .!







هناك أحمق يعتقد بأن اسم المرأة عورة .! 



أحمق آخر ، و حتى يثبت له أن اسم المرأة ليس كذلك ـ وهو رأي صائب على فكرة ـ 
فإنه يذكر اسم ابنة خالته في أكثر من عشر مقالات !! 

يعني الله يستر على صفاء ، يا أخي الله يخليها لزوجها ولكم ولكل من يهمه أمرها .! 



فهمنا أنها رائدة ما أدري وشو ، والسبب أنها تخلصت من العبودية والنمطية والتبعية وتزوجت عن طريق الهوتميل مدري الياهو .! 



فأصبحت بطلة قومية ، ولا أستبعد لو رشحها ذلك الطبل لتنال جائزة نوبل للمسنجر .! 



أنا أحترمها ً ، مع أني لا أعرفها ، لكني فقط أشفق عليها أن لديها قريب بهذه العقلية .!! 





ليس الحل في الابتذال .! 





هذا تظاهر ، ليس تصرفاً حقيقياً على الإطلاق .! 



..

.




إنهم يفوقون الجراد عدداً ، يصدعون رأسك بالحديث عن الانفتاح والحريات والتقدم ، يتظاهرون بالتمرد على المألوف ، 
وفي حبهم لنموذج المرأة الـ ( تفّ ) المعتمدة على ذاتها ، المتخلصة من تبعيتها للرجل ، المحاربة للنمطية ، لا يريد امرأة أقصى طموحها أن تغسل ملابسه المتسخة .! 





ثم عندما تأتي ساعة الحقيقة ..

يسارع لخطبة ابنة السادسة عشر ، التي للتو انتهت من دراستها المتوسطة .!! 

أو بصحيح العبارة ليس لها تجارب .!





لو لم يمثل الرجل ، لما مثلت المرأة .! 

إن تظاهرنا بحبنا للمرأة الصلفة ، الجلفة ، الاستقلالية ، التي تناطح الرجل رأساً برأس ، لكنها بنفس الوقت مثقفة وخيالية وحالمة ، أفرز جيلاً من الفتيات ، هن خاويات قطعاً ، يتظاهرن في كل شيء .! 



هي لا تحب الشعر على الإطلاق ، ولا الخواطر ..

لكنها تعرف أن من صفات المرأة العصرية أن تقرأ الشعر وتحبه ..

وأن تكتب الخواطر .! 

كل النساء الحالمات الخياليات يحببن الشعر ، ويكتبن خواطرهن .. 

وهي كذلك .! 



هي مهذبة وخلوقة ، لكنها تعرف أنها تبيع بضاعة لن يشتريها أحد ، لذلك تتظاهر بالبذاءة ، تتحدث بمفردات السوقة وألفاظهم .! 



إنها تعرف أن الرجل ، أي رجل ، لا يستطيع مقاومة الفتاة التي تتمتع بالمواصفات القياسية السابقة ،
لكنها لا تكتفي بذلك ، إن الضربة القاضية قادمة ، كم هائل من الحنان الدفين ، تظهره من خلال كتابتها للخواطر .! 



إذن هذه امرأة محترمة ، قوية وصارمة ، ترفض أن تتاجر بأنوثتها ، وأن تتغنج بسبب ودون سبب .! 

وهي تخفي كل هذه المشاعر الجياشة لأنها ترفض المياعة والابتذال .! 











إننا لا نكف عن التظاهر ، في كل تفاصيل حياتنا ، كل خلجة بحسابها ، كل نفسٍ بمقياس .. 

كل فعل بدراسة ، كل انفعال بتأني .! 



ثم نزعم بأن هذه هي جوانب شخصياتنا الحقيقية ، وأننا على سجيتنا .. 





والنتيجة هي أننا لن نحصل على أي شيء حقيقي ، 



لا على وسطي وسطي ، 

ولا على ليبرالي ليبرالي ،

ولا على متشدد متشدد حقاً ، 



ولا حتى على داشر داشر فعلاً !!!


البيضة الثانية 




من نوادر الأفدغ الكبير 










من نوادره حفظه الله ، أنه كان لديه صديق مقرب ، هو له بمنزلة الأخ ، 
يدعى ( أبا كعكة ) 
وقد كان أحمقاً ، ناقص عقل ، وكان ذا حشيشة .. أي أبا كعكة .. 
وقولنا عن أبي كعكة أنه ذو حشيشة لا يبرئ ساحة الأفدغ الكبير ،
فقد كان امرءاً حشاشاً كذلك ، لكننا بصدد سرد قصة أبي كعكة هنا ..

فقد هام أبو كعكة بابنة عم له ، 
وتمكن حبها من قلبه ، 
وملكت عليه فؤاده ، 
وحرمته نوم ليله ، 
وقد عزم على أن يخطبها من أبيها ـ وهو عمه ـ 
ولكنه اشترط عليه أن يجلب له جاهة ، 
لعلم عمه بسوء خلقه ، وفحش قوله ، وقبح أفعاله ، 
تيقن أنه لن يتمكن من توفير الجاهة المناسبة ، 
فهو بذلك ( يزحلقه ) دون أن يجرح شعوره ، أو ينال من كرامته ،
هذا ما كان من أمر عمه ..



أما ما كان من أمر أبي كعكة ، فقد جاب أنحاء المدينة ، 

ولم يبق باب إلا طرقه ، 
مستجدياً أهل بيته الجاهة ،
لكنه قوبل بالازدراء والاحتقار ، 
حتى لم يتبق له إلا باب صاحبه الأفدغ ، 
وهو صاحب السيرة العفنة بين الناس ، 
فطرق بابه ( مجبراً ) وناشده بحق أيام الأنس ، 
وجلسات الحشيش ، إلا أن يساعده في أمره هذا ، 
فرفض الأفدغ الكبير وقال : إن عمك يكرهني ، وليس بيني وبينه إلا العداوة والخصام ،
فكيف تستعين بي لقضاء حاجة عنده ؟
فأجابه أبو كعكة : أما والله إني أعلم أن بينك وبين عمي عداوة كتلك التي بين الزيت والنار ،
ولكنه لم يحدد اسماً بعينه حتى أصحبه ، لذلك أعتقد أنك تصلح لأن تكون جاهة .! 


ارتدى الأفدغ الكبير منامته ( فقد كان حفظه الله يخرج إلى الناس بالمنامة ، وينام بالثوب ) وخرج ليصحبه ..

إلا أن أبا كعكة ـ لفرط حمقه ـ سأل الأفدغ : لو سئلت عني فما أنت قائل ؟

قال الأفدغ : رغم إيماني الشديد بأنه لا قيمة لقالي إلا أنني سوف أشهد لك بريادة المساجد ، ودماثة الخلق ، ونقاء السريرة ، وحسن السيرة .!

قاطعة أبو كعكة قائلاً : ويحك ، إنك إنما تشهد بالزور عند من يعرف عني ما تعرفه الملائكة المقربون .! وهل نسيت أنه عمي ، وأنني كنت ربيباً عنده .! 

فهو والله يتيقن أنك منافق كاذب رخيص . فتهدم ما أردت بنائه .!


تحير الأفدغ وقال : إني والله لم أكذب من قبل ، وليس لي في نسب عمك حاجة ، 
إنما أردت أن أحمل وزر الكذب ، لأنال به رضاك ، وأحفظ به قربك .! 
وأنا ـ إن شئتَ ـ أقول : أنك امرؤ صاحب مزاج ، لا تغادر السيجارة يدك إلا لتحضن فمك ، 
وأنك لم تشاهد في حياتك سور المسجد إلا وأنت ذاهب لقضاء حاجتك في حماماته ..!


فزع أبو كعكة وأخذ يولول مثل النسوان وقال له : فأنت والله عدوي ولست صاحبي إن قلت هذا .! 

أسقط بيد الأفدغ ، وضرب كفاً بكف وقال : إذن أصمت .! 
وهذا والله ما لا أطيق .! 
ولا أظن أنك تصحبني من بيتي لأصمت في حضرة عمك .!! 

تعلق أبو كعكة بملابس الأفدغ وهو موشك على البكاء وقال : أرجوك يا صاحبي ، 
والله إنك إن صمتّ في حضرة عمي ولم تجب عن أسئلته لأكافئنك بما تشتهي نفسك ، ويطيب خاطرك .

فكر الأفدغ ، ثم قال في نفسه : هذا والله أحمق ، ولم أحسن لنفسي حين أردت تلبية طلبه ،
ثم اهتدى لحل ، فقال : وهل تلبي أي شيء أطلبه إن أنا ذهبت معك إلى دار عمك وصمتت ؟؟

نهض أبو كعكة واقفاً وهو يقول : نعم ورب البيت ، ألبي لك كل ما تطلب .!

أجابه الأفدغ : إذن أنا أذهب معك إلى دار عمك وأبقى صامتاً ،
شرط أن تتركني هنا في داري ولا تأخذني معك إلى دار عمك .! فما قولك ؟؟

تهللت أسارير أبي كعكة ، 
وفرح فرحاً شديداً وقال : أشكرك يا صاحبي ، 
إنك والله خير صديق ،
أما وقد وعدتني أن تبقى صامتاً في بيت عمي ، 
فأنا أكافيك على فعلك ذلك ، ولا آخذك إلى بيته ، ولك مني الشكر والعرفان .!! 

ثم عانقه عناق محب لمحبوبه ، وغادره وهو يتقافز فرحاً ، 
فما كان من الأفدغ إلا أن تحمّد الله على العافية ، 
وقال : يا ربي إنك تعافيه ولا تبلانا

...
..


ومن نوادره حفظه الله أن صاحب الغرفة التي أجرها منه قد طرده طردة الكلاب ..
ذلك أنه قد تأخر عن دفع أجرة تلك الغرفة القذرة ،
فما كان منه إلا أن طرق الباب على الأفدغ أولاً ! ( فطنشه ولم يعبِّر أهله ) ،
فاضطر صاحب الدار إلى أن يكسر الباب عليه ،
فوجده مرتدياً ثوبه وكأنه يهم بالخروج ! فغضب الأفدغ كثيراً ، 
لأنه ـ في حقيقة الأمر ـ كان على وشك النوم ،
وللتو تمكن من مخادعة النعاس ، لأنه كان يظن ـ حفظه الله ـ أنه إذ يرتدي ملابسه كاملة فإنه يخدع النوم فيوهمه أنه خارج ، حتى يغافله ويتمكن منه .! 

سلم صاحب الدار على الأفدغ وقال له : 
يا طيب ، هذه الدار لك ، وأنت سوف تهبها لي .!
فأجابه الأفدغ ـ إمعاناً في الاستعباط ـ :
بل هي دارك ، وأنا استأجرتها منك ، فإن شئت وهبتني إياها حتى تصبح لي ، 
فأهبها لك عن طيب خاطر .! 

صعد الدم إلى رأس صاحب الدار وصرخ قائلاً : 
يا أفدغ ، إن أنت لم تدفع لي الأجرة ! فأنا مضطر والله لإخراجك من الدار .!! 

رد عليه الأفدغ : لماذا تخاطبني بهذه الطريقة ؟
وكأنني لم أدفع لك قط .! لقد كنت منتظماً ، وحريصاً على أن أدفع لك حقك أول كل شهر ، 
ولكنني تخلفت عن ذلك في الأشهر الثمانية الأخيرة فقط .!!


سحب نفساً عميقاً ثم كتمه وهو موشك على الانفجار ورد عليه من بين أسنانه قائلاً :
ولكنك أجرت هذه الغرفة منذ ثمانية أشهر فقط .! يعني ( تكنكلي يو بيي مي نثنق ) 

وهكذا نجد الأفدغ يجوب أزقة المدينة الضيقة ، 
ممسكاً شيشته الأثيرة بيده اليمنى ، قابضاً صرّة ملابسه بيده الأخرى ، 
تلتمع صلعته الفاخرة تحت أشعة الشمس ،
فرقّ لمنظره قلب إمام المسجد ( الموظف ) وهب لنجدته ، 
وقد بدا له الأفدغ أقرب ما يكون إلى قط أجربٍ مبلل ، 
فتوجس الأفدغ في نفسه خيفة ، فهو لم يعتد أن يثق بأي رجل دين بصفة حكومية ، 
فهو لا يتخيل مثلاً أن يفتي المفتي بين الناس ويتقاضى أجر فتواه من الحاكم !!
أو أن يسير المحتسب في الأسواق يأمر الناس بالمعروف وينهاهم عن المنكر ثم يمد يده آخر النهار ليقبض حفنة من الريالات نظير حثه الناس على الصلاة .! 
أو جراء نهره الشباب عن التجمهر !! 
وقد كان يحب المحتسبين والمتطوعين كما خلقهم الله ، 
من يتبرع ليؤذن في الناس دون أجر ،
ومن يبين لهم أمور دينهم دون جزاء .!
نقول أنه لم يثق كثيراً بهذا الإمام ،
لكنه كان مضطراً لأن يقبل بأي إحسان من أي إنسان ،
لأنه كان في أشد الحاجة لمكان يقيه هذا الحر القائظ ، ويحميه من أشعة الشمس الحاقدة ! 


وهكذا استقر به المقام في مخزن صغير بجانب المسجد خصص للاحتفاظ بأغراض التنظيف ، 
وقد كان هذا القرب الشديد من بيت الله سبباً مباشراً لأن يلين قلبه ،
وبدأ يحافظ على الصلاة شيئاً فشيئاً ، 
ويستمع إلى بعض العامة ممن يتبرعون لوعظ الناس بعد كل صلاة ، 
بعضهم كان يخيف الناس من العذاب ويردد آيات الوعيد بصوتٍ مخيف ، 
مع إخلالٍ فظيع بأحكام التجويد .! 
والبعض الآخر يردد أحاديث المصطفى عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم ، 
دون أن يحفظها ، فيسردها كلها بالمعنى ، الحقيقة أنه يبين ذلك حين يقول :
أو كما قال عليه الصلاة والسلام ، لكنه لا يعذر في جهله بكل الأحاديث ، 
كان الأولى به أن يتمكن من حفظه ، ثم يخرج على الناس !

نقول أن الأفدغ كان يعود إلى مخزنه ، فيعد لنفسه رأساً من الجراك ،
ثم يستمع للمتحدثين شبه نائم ،
وقد كان قد أوشك على التوبة من الشيشة حين سمع حديثاً للرسول صلى الله عليه وسلم ، 

جعله يفز من فوره ويهرع إلى إمام المسجد ليمسكه من تلابيبه ويسأله :
ألم يقل صلى الله عليه وسلم من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يتوجأ بها في بطنه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا ومن شرب سما فقتل نفسه فهو يتحساه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا ومن تردى من جبل فقتل نفسه فهو يتردى في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا! 

قال نعم . قال : ومن يقتل نفسه بالشيشة ، فهل شيشته معه في جهنم يشتاش بها ؟ 

تلعثم الإمام قليلاً ، لكنه ـ على ما يبدو ـ لم يرغب بقول لا أعلم ، 

فقال : من باب أنها تدخل ضمن قتل النفس فأعتقد بأنه نعم .! 



تهللت أسارير الأفدغ ، وابتسم ابتسامة مرعبة ثم قال : وأنا الأحمق أوشكت أن أتوب عن الشيشة .!! 


البيضة الثالثة .. والأخيرة


زمان يا فن 



هذه مقارنة بسيطة بين الفن في الماضي ، وبين الفن في الوقت الحالي ..




كان الفنان لا يقع في الرذيلة إلا بعد الاستسلام لمغريات الفن ومقتضياته ، 
يبدأ فناناً ثم يتعرف إلى أوكار الفساد ، والخمور ، والمكيفات من حشيش وبانقو وغيرها .. 

أما الآن فإنه يعرف الفن عن طريق الفساد ، 
يبدأ منحلاً سكراناً حشاشاً ، مرتاداً لأوكار الفساد ، 
ثم يتعرف على مخرج ما ـ ممن ينهون حياتهم هناك ـ فيأخذه معه إلى عالم الفن .. 

...

لم يكن مخرجو المسلسلات القديمة يراعون نزعة العنف والساديّة في أعماقنا .. فكنت تتضايق كثيراً عندما تشاهد لقطة يصفع بها الفنان زميلته الفنانة ، وتكاد تقسم بالله أن يده لم تلمس خدها ، لكن ـ بالرغم من ذلك ـ يستجيب وجهها للصفعة ويذهب عكس اليد التي ..! 

أما الآن فإنك تشفق على الفنانة وأنت تشاهد زميلها وهو يكيل لها الصفعات واللكمات ويجرها على الأرض من شعرها .! وتشاهدها وهي تطلق صرخات الألم الحقيقية .! والمخرج يتابع اللقطة في استمتاع سادي عجيب .! 
( لقطة حسين المنصور وزهرة الخرجي في مسلسل نسيت اسمه ) 

هل المخرج معقد ؟
أم الممثل هو المعقد .!
أم حنا اللي معقدين .!!
والله ما تدري 

...

كانت المسلسلات تناقش المشاكل الاجتماعية الحقيقية والملموسة بشكل خفيف محبب ، وبقالب درامي تلقائي ، 
وبأداء بسيط غير متكلف ،
وبإضفاء لمسة كوميدية على الأجواء لمنح المسلسل جواز سفر دبلوماسي للعبور لقلب المتلقي .. 
في خالتي قماشة نوقشت قضية العائلة الكبيرة ، الحماية والكنّة ،
سيطرة المبادئ الجامدة على الأفكار الحرة والمتمردة ، 
الأخ الأكبر الذي يراقب ويشاهد ويعرف كل شيء ويضيق الخناق على أنفاسك ، ومناقشتها لأول مرة على شاشة التلفاز 

أما الآن فأصبحت المسلسلات تناقش الجنس والفحش والرذيلة والشذوذ ، 
متظاهرين بأن هذا هو الواقع الضخم والحقيقي والواضح ، 
وأنه هو الوحش الذي ينهش لحوم مجتمعاتنا .!! 
وأننا مجرد حمقى لا نعرف خفايا مجتمعنا وتفاصيله الدقيقة .! 
ويحاولون إقناعنا أنهم يجاهدون لكشف الستر عن المسكوت عنه لدينا .!! 
وإذا ما أراد أحد ما أن يلقمهم حجراً ..
ليكفوا عن غيهم وفسادهم .! 
انبرى واحد من الكتاب أو النقاد إياهم وقال لك :بأنهم لا يأتون بالمشاكل من بنات أفكارهم .! أليست هذه مشاكل حقيقية ؟؟
ويأتيك ناقد يتشدق بالشفافية ليقول : بأننا لسنا مدينة أفلاطون الفاضلة ، 
وكفانا جبناً كالنعام ( علماً بأن النعام ليس كما يصورونه في الرسوم المتحركة يخفي رأسه جبناً ، بل بحثاً عن الحشرات ) وأننا ندفن رأسنا عن واقعنا .! 


والحقيقة عكس ما زعموا طبعاً ..
هم النعام ، هم من يدفنون رئوسهم في أوسخ بقع المجتمع وأشدها ظلمة ،
للبحث عن الدود والحشرات .!! 

فهم لا يحاكون مشاكل المجتمع في طرحهم مثلما يقال .!! 
بل هم يعلّبون لنا قضية ، ويمنحون المجتمع مشكلة جاهزة ليحاكيها هو
( أي المجتمع ) .! 

وهذه المشكلة الأزلية تمت مناقشتها غير مرة ،
والتطرق لها كثيراً .! 
هل كان نجوم السينما المصرية في أوج عزها يقلدون الشباب .! 
أم يمنحون الشباب نموذجاً ليقلدوه .!! 

وهو ما اعترف به الداعية حسن يوسف غفر الله له 


زمان والآن مع بعض 

النقطة الأولى : 

السطحية العجيبة في معالجة الصراع الأزلي بين الخير والشر .. 
لم يخلق بعد ذاك المخرج المحترم .. 
الذي بدوره يحترم عقلية المشاهد العربي ( يعني المشاهد العربي يستحق الاحترام أصلاً ) ويعرض لنا مسلسلاً واحداً فقط لا ينتصر فيه الخير في الحلقة الأخيرة ) 

الخير ينتصر في النهاية بشكل ساذج على النحو التالي :

1 ـ تتحسن أمور البطل فجأة :
يصبح مليونيراً ، أو ينجح في شغله أو دراسته ، وبنفس الوقت تسوء أمور الشرير .

2 ـ عقوبة إلهية شنيعة للشرير :
فإما أن تصيب يده الغرغرينا أو يسقط من فوق رصيف ويضرب رأسه بالأرض ويصيبه الشلل ، أو يصاب بفشل كلوي . 

3 ـ الشرير يتوب : فجأة ـ وعلى عكس خط سير العمل ـ يقرر الشرير أن الوقت قد آن للتوبة .! طيب متعبنا معاك ثلاثين حلقة ليش .! يكون مستيقظاً ـ هو وضميره في وقتٍ واحد ـ ويسمع أذان الفجر ( لا أعرف هل انشقت الأرض وخرج منها المسجد فجأة ، أم أن الشرير قد غير محل إقامته ليجاور المسجد .. لأن هذه أول مرة يؤذن فيها للصلاة في المسلسل ) ثم يذهب للصلاة ويتوب ، ويعيد الحقوق لأصحابها . 

النقطة الثانية : 

كل شيء للحلقة الأخيرة : 
النهاية السعيدة أو التعيسة ، زواج مشاري ولمياء ، التفجير السخيف في مسلسل الحور العين ( الذي كان هو أصلاً محور العمل ) إذن ما هو دور الحلقات التسع والعشرون .! 
لا شيء طبعاً إلا أننا لن نستطيع الوصول إلى الحلقة الأخيرة بدونها .! 





انتهى ؛