السبت، 25 مايو 2013

الغابة غابة أبونا ..!!!

..
.


وثب الثعلب المكّار ( أبو كذبة ) من فراشه فزعاً بعد أن أيقظه رنين جهاز الاستدعاء الخاص بالحالات الطارئة .. 

فلا أحد يعرف هذا الرقم ، إلا سيده الفيل ، والذي يشغل منصب رئيس القرود المتقافزة في الغابة السعيدة .. 


نظر إلى الساعة المعلقة أمامه فوجدها تشير إلى العاشرة صباحاً ..!
لا بد وأنه خطب جلل ذاك الذي جعل سيده الفيل الكسول يصحو قبل الواحدة مساءً !!


وبالرغم من أن أبو كذبة كان في مقر الرئاسة الشاملة للقرود في تمام الساعة العاشرة والربع ، إلا أن سرعة تلبيته للنداء لم تشفع له أمام سيده ، حيث أوشك أن يودي بحياته بضربة هائلة من خرطومه الضخم .! 

ولولا ضعف لياقة الفيل ، وثقل حركته اللتين جعلتاه ينحني لاهثاً ، لوجه له ضربة أخرى كانت كفيلة بقتله لا محالة .!!

انتظر الثعلب قليلاً حتى هدأ سيده ، ومن ثم ربّت على كرشه العملاق ، وقبّل خرطومه ..

ثم جلس بين يديه ممتثلاً ، داعياً له بطول العمر ، والتوفيق والسداد ثم قال : 

خير يا سيدي الفيل ، لم يسبق أن استدعيتموني في مثل هذا الوقت المبكر !


نظر الفيل إلى الثعلب وخاطبه قائلاً : 

ـ أليست هذه غابتنا ، ولنا عليكم حق الطاعة والامتثال ؟

أجابه الثعلب : بلى يا سيدي أطال الله بقاءك 


ـ أولم تكونوا شرذمة متفرقين ، فجمعناكم ، ووطناكم ، وجعلنا لكم غابة مستقرة ترعون فيها !


( تردد الثعلب قليلاً ، إذ أنه يؤمن أن الأرض لله ، لم يخلقها الفيل أو أبوه ، وأن سكان الغابة لا زالوا متفرقين يعيشون في جماعاتٍ خاصة ، فالثعالب مع الثعالب ، وكذلك الأمر مع الثيران والأسود والنمور والقرود وبقية سكان الغابة ، لكنه وجد أنه لا مناص من الكذب ، وهذه مهنته على كل حال فأجاب : 


ـ بلى يا سيدي ، لقد فعلتم سدد الله خطاكم . 


ـ أو لم نمنحكم أصواتاً خاصة تصدرونها ، وتتفاهمون بها فيما بينكم ، وتعبرون من خلالها عن آرائكم !



( فكر الثعلب في قرارة نفسه ـ وهو المستشار الأول للفيل ـ في كنه هذا الأمر العظيم ، الذي جعل مجرّد فيلٍ بسيط ، يشغل منصب رئيس القرود في الغابة يغضب بهذا الشكل .! ويتحدث بتلك النبرة المتعالية ، التي لا تصدر إلا عن زعيم الغابة ، أو نائبه ، أو صاحب شئون الغابة على أقل تقدير) ..


مما دفعه للتساؤل قائلاً : 

ـ سيدي ، ما الذي حصل وجعلكم تستاءون بهذا الشكل !


قاطعه الفيل غاضباً : 

ـ أجبني أولاً .

أجابه الثعلب متلعثماً : 


ـ الأصوات يا سيدي وسيلتنا الوحيدة التي تميزنا ، يعني لم يبق لنا سواها ، فأنت لا تكاد تميز الأسد إلا من زئيره الضعيف الذي يصدره بين الحين والآخر .! 
ولا تكاد تعرف الحمار إلا من نهيقه المتقطع ..!
وسكان الغابة لم يعد لهم شيء يا سيدي إلا أصواتهم تشكل متنفساً يعبرون من خلاله عن رأيهم !! 
مهما كان هذا الرأي هامشياً تافهاً لا يعني أحداً ..!! 
لكنه ـ في النهاية ـ وسيلتهم الوحيدة التي تشعرهم بأهميتهم ..
وهي بنفس الوقت وسيلتنا الوحيدة للحفاظ على وحدة صف هذه الغابة يا سيدي .. 
ثم إنكم لم تمنحوا الأسد نهيقاً أو الحمار زئيراً .!!
فما الذي تريد مني قوله تحديدا ؟؟



نهض الفيل من مكانه غاضباً وبدا كالكابوس وهو يملأ الفراغ أمام الثعلب الصغير وقال : 

ـ ألا تنظرون للنعمة التي نغرقكم بها !
ألا تتأملون جيرانكم سكان الغابات المجاورة !! لقد تلاشت أصواتهم .!
لم يعد لديهم حتى آراء ليعبروا عنها .. 
لم يعد لديهم شيء ليقولوه حتى أنهم استغنوا عن لغة الإشارات واعتمدوا الصمت لغة رسمية لهم !! 
ووسائل إعلامهم تتغنى بإنجازات قرودهم المريضة ، والتي لا ترقى لمنافسة قرودنا الأشاوس !


ابتلع الثعلب رأيه الخاص عن قرود السيرك المهرجين وهو يزفر في مرارة وقال : 


ـ سيدي إن أبناءكم سكان الغابة لم يعودوا كما في السابق ، تسكتهم تصريحاتنا المتعثرة ، لقد أصبحوا على اطلاع كامل على حياة الغابات المجاورة ! ويرون كيف يعبر أهلها عن رأيهم وكيف يأخذ أسيادهم بآرائهم .! 


ثم أردف قائلاً : 


ـ عموما يا سيدي ما الذي تأمرونني به ! وأنا رهن إشارتكم !!




جلس الفيل على كرسيه الضخم  ، وقال : 

ـ استمع لما سوف أقوله لك ، ونفذه في أسرع وقت .. 




...
.




سلم الثعلب أبو كذبة .. خطاب السيد رئيس القرود المتقافزة للديك ملسون رئيس هيئة أحداث الغابة .. 

وقال له : 

اقرأ ما جاء في هذا الخطاب الموجه لأبناء الشعب بصوتٍ مرتفع .. 
أريد أن أتأكد من حفظك لكل كلمةٍ فيه ، لا أريد أي خطأ .. 


هيا .. أسمعني .. 


أجابه ملسون بارتباك : 

ولكن يا سيدي بقي على النشرة الرئيسية عشر دقائق فقط .. 


الوقت لا يكفي لقراءة هذا الخطاب الطويل أمام حضرتكم ،
ثم إعادة تلاوته مرة أخرى على مسامع الشعب في موعده تماماً !!


أمسك الثعلب برقبة الديك بقوة وهو يقول :
لا تضيع وقتي بمجادلاتك العقيمة ، هيا قلت لك .. أسمعني !!



تنحنح الديك ملسون طلباً لمزيد من التسليك ، ثم رفع عقيرته قائلاً : 



( أبناء غابتنا الكرام المهتمين بشئون التقافز والنطنطة ، من نقاد ومحللين ومختصين .. 
أحييكم تحية محبة ، وأعبر عن سعادتي الكبيرة بمخاطبتكم من هذا المنبر الإعلامي الحر ، الذي عودناكم أن يكون صوتكم فيه مسموعاً ، ومن حقنا أن يكون رأينا مسموعاً ومطاعاً من خلال نفس المنبر الذي سمحنا لكم من خلاله بإبداء رأيكم .! وتحملنا ثرثرتكم المملة طويلاً ، وأنا هنا أحب أن أضع النقاط على الحروف ، لقد قدمت الرئاسة الشاملة للقرود المتقافزة خدمات جليلة لقطاع النطنطة في هذه الغابة ، وبذلت الغالي والنفيس في سبيل تطوير أنشطتها ، بحيث تقارع خلال القرون القادمة بقية الغابات المتطورة عنا في المستوى ، وقدمنا خلال هذه الفترة الكثير الكثير من وقتنا ، وصحتنا ، وجهدنا ، ولم تقدموا أي شيء سوى الكلام فقط .!
نحن مطالبون خلال الفترة القادمة بإثبات أنفسنا أمام بقية الغابات ، وكل هذا بحاجة لمزيد من الجهد ، ومزيد من العمل من قبلنا ، والمزيد من الصمت والمزيد من الأخلاق من قبلكم ، وفي الختام لا أنسى أن أذكركم بأن الغابة غابة أبونا .! 


أخوكم : رئيس القرود المتقافزة 



أطلق الثعلب تنهيدة ارتياح ، وهو ينظر إلى الديك المرتبك ، الذي قال : 

سيدي أبو كذبة ، لم يبق في وقت النشرة سوى دقيقة واحدة فقط ، 


صرخ الثعلب في غضب : إذن أخرج الآن حالاً ، هيا ..



اتخذ الديك ملسون مكانه خلف طاولة التقديم ، وعدّل من هندامه .. 

ورفع الخطاب أمام عينيه ، ونظر إلى ساعته ، 
وتأمل عقرب الثواني الذي يشير إلى ثلاثين ثانية باقية في زمن النشرة ... 

تابع بعينيه المصور وهو يعد بأصابعه أن ثلاثة ، اثنان ، واحد .. 





ثم تنحنح وقال : 

أبناء غابتنا الكرام المهتمين بشئون التقافز والنطنطة من نقاد ومحللين ومختصين ،

السيد رئيس القرود المتقافزة يحييكم ويقول لكم : 





لا تنسوا .. 

الغابة غابة أبونا




موسيقى نهاية النشرة 

هناك تعليق واحد:

  1. البارحة..البارحة فقط بدأت قراءة هذه المدونة من اعتبارها شيء "واو" الی اعتبارها "ادمان" !
    أغوص في عمق الحروف الی الحد الذي توشك فيه آخر ذرة أكسجين في رئتي المتعبة من النفاذ ، فأخرج محملة بلآلیء و درر الفكرة !
    مدونتك ادماني القانوني و حاسة الجمال السادسة لدي ✋

    ردحذف