الجمعة، 24 مايو 2013

رزق الهبَل على المجانين ...!!

.
.
.

لماذا يصر الجميع .. 

لأ .. 

بداية غير موفقة .. 

لا أحب أن أبدأ كتاباتي ـ دائماً ـ بسؤال ؟

فذلك كفيل بتطفيش أعتى القراء وأمرسهم ( مدري بس يمكن مشتقة من أشدهم مراسا ) ..

فلا أحد يحب أن تكثر اللماذات عليه ..
لماذا واحدة لكل خمسة مواضيع .! 

أعود للموضوع .! 

ولماذا يصر الجميع على أن التسويق الجيد ..
( لا بأس بلماذا واحدة كاستثناء ) 
يعني ـ بالضرورة ـ أن تملأ جميع الثغرات المنسية في بيتك بالمنشورات الدعائية ..
والبروشورات التسويقية.! 
ابتداءً من ثغرة الباب .! 
وانتهاء بالثغرة المخصصة لتسهيل عملية دخول الصراصير وخروجهم من نافذة الحمام ( أكرمكم الله ) 
بل إنها ( أي النافذة ) حصلت على نصيب الأسد من تلك المنشورات .. 
على اعتبار أنه هناك ( أي في الحمام ) أكرمكم الله كل شوي .. 
تنتهي جميع عمليات البيع .. 
وتبدأ خطط جديدة لعمليات شراء أخرى .. 

أما محتوى النشرات .. 
فيبدأ من المنتجات الاستهلاكية البسيطة .. 
ملح الطعام مثلاً .. والذي أذكر أن سعره ريالاً واحداً .. 
فما هو التخفيض المقدم لمثل تلك السلعة .! 
وانتهاءً بالسيارات والمعدات الثقيلة والمنازل والصواريخ ( حتى اللي برؤوس نووية ) .! 


* * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * 

وبالرغم من حرصي الشديد على إبادة كل تلك الشرور فور دخولها إلى المنزل .. 
إلا أن الثغرات في بيتي ـ وللأسف ـ كثيرة .! 
لا أستطيع تغطيتها وإن حرصت .! 
فاجأتني زوجتي بمنشورٍ يتحدث عن تخفيضات هائلة على تلفزيونات 50 بوصة .! 
وأنا لا أعلم ـ حقاً ـ ما هي المتعة في مشاهدة فلم يبلغ حجم أبطاله ثلاثة أضعاف حجمهم الطبيعي .! 
ناهيك عن أن سعر التلفزيون 300 آلاف ـ بعد التخفيض ـ أي أنه قريب من سعر المكان الأجرب الذي أسكنه .!! 

أسألها بغيظ : من وين جبتي البروشور ؟

لتجيب في برود : من فتحة المكيف .. 
بعدين أنت هذا اللي هامك ؟ ما تبي تتفرج على التلفزيون ؟

أنا ( بغباء شديد ) : بس الفتحة أقل من خمسة سنتمترات ؟!
بعدين ـ لا ـ ما أبغى أتفرج .! 

لتخرج منشوراً آخر وهي تستطرد قائلة : طيب وش رايك ؟
هذا بروشور ( فتحة أسلاك الدش ) مسوين عروض رهيبة على ستيريو توشيبا ملون .. 

وهذا بروشور ( فتحة الزبالة ) عندهم تخفيضات على حمامات الساونا والجاكوزي المنزلية .! 

قاطعتها ـ قبل أن تصل في سردها إلى فتحة المجاري ( أكرمكم الله ) : يا بنت الحلال .. 
لنفرض إنك جبتي جاكوزي وين بتحطينه .! وحنا حمامنا ومطبخنا غرفة مشتركة ؟ 

لتجيب في دهاء : أصلاً أنا عارفة إن ما عندك فلوس ..
بس ودنا نتفرج .. الله يخليك ..
أسواق ( رزق الهبل على المجانين ) مسوين عروض مجانية ..
خلنا نتفرج حالنا حال هالناس .! 


* * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * 




وعند البوابة الكهربائية 
( التي أكرهها لأنها لم يسبق وأن استجابت لي ، وكأنها تدرك أنني لست زبوناً دفيعاً )
لسوق ( رزق الهبل على المجانين ) اصطفت حشود هائلة من الزبائن .! 

لأنحني على أذن زوجتي هامساً : وش رايك نتفرج من برا ؟ والله زحمة . 

قبضت على معصمي بقوة ، معلنة عدم استعدادها للتنازل عن حلمها الذي يوشك أن يتحقق ..
وسحبتني إلى الداخل .. 



( استاز .. مدام .. ما بدكن تدوئو الزيتون الأسباني ؟ ) 

كان صاحب تلك العبارة بائعاً شامياً وسيماً .. 
يعرض زيتوناً أسوداً مصاباً بأنيميا حادة .

لأجيبه ـ متظاهراً بأني زبون فهلوي ـ : بس هذا زيتون أسود .. 
شلون يصير أسباني ؟

ليرد بدوره : ليش إنتا عمرك شفت زيتون أبيض أستاز ؟ 

أنا : الصدق .. لا والله .. بس متأكد إنه أسباني .!! 

أخاف انه صومالي مقيم بأسبانيا إقامة غير شرعية .. 
وتبيعونه على هالضعوف على أساس انه أسباني ..! 

جذبتني زوجتي من ثوبي لتنهي المحادثة وهي تشير إلى رف مزدحمٍ بالبضائع وهي تقول : 

ـ شف هذي عبوتين من شامبو ( بانتين بالبافايا والبطيخ ) بسعر عبوة واحدة .! 

أنا ( بخبث ) : أنا لا يهمني السعر مطلقاً ..
طالما أنني لن أشتري ..

إن شاء الله يكون سعره سعر التلفزيون أبو خمسين بوصة ..
خذي راحتك وتفرجي زي ما تبغين .! 

المدام ـ يالله عاد ..! هذا شامبو ..
يعني ما يتجاوز سعره خمسطعشر ريال .. 
لا تصير بخيل .! 

أنا ( بنفاد صبر ) : مو مسألة بخل ..
بس أنا أصلع .. 
وأنتي من يوم عرفتك وانتي تستخدمين بشامبو عبايات .. 
وش اللي خلاك فجأة تبين شامبو بالبافايا ( التي يعلم الله وحده ما هي ) .! 

ضربت بآرائي ـ على غير العادة ـ عرض الحائط .. 
وتناولت الشامبو .. 


لم أرغب بإثارة المشاكل.. 
خصوصاً وأنني سوف أجعلها تدفع ثمن شامبو البافايا ـ والتي لا أحب طعمها ـ 
علماً بأنني لا أعرفها ولم أذقها قط .. 

المهم أننا لم نصل إلى المحاسبة .. 
إلا وقد امتلأت عربة التسوق عن آخرها بصنوف البضائع .. 



وبعد عملية تقليب سريعة للبضائع ..
مد الموظف يده ـ بشكل روتيني ـ وهو يقول : ستمية وخمس وسبعين ريال وثمانين هللة .


شهقت في فزع ـ أو أنه تثاؤب لا أعرف بالضبط ـ 
وأنا أقول : ليه ؟ سبعمية ريال على شان شوية زيتون وصابونتين وكيلو تفاح وشامبو وفرشاة أسنان ..! 

ليرد في برود عجيب ـ وكأنه يمر بمثل هذا الزبون الثقيل آلاف المرات يومياً ـ : نسيت الخلاط .! 

أجبته ثائراً : بس انتم حاطين تخفيض 60 % ؟ يعني قيمتهم ـ مع بعض ـ مفروض ما تتجاوز ميتين وخمسين.!


أشار بيده إلى ركن الأجهزة الكهربائية وهو يقول في حنق : التخفيضات على الماركات الصينية بس .! 

أنا ( مستغرباً ) : بس أنتم ما بينتوا هالشي .! 
خلاص لو سمحت حاسبني على بقية الأغراض .. 


أخذ يحوقل ( حوقلة محلية عبارة عن لفظة لحّوول ) وأنا أناوله الأصناف من جديد ..



لكزتني أم العيال في خاصرتي لكزة من النوع ( لا تفشلنا ، ترى ورانا بشر ينتظرون الدور ) 

فلكزتها ـ بدوري ـ لكزة تقول : ( إيه هين .. والله لو يقعدون للصبح ) 

أجابني كوعها الذي فصل كتفي عن رقبتي بأنني ـ لا بد ـ سوف أنام بالصالة .. 

ولم أرد على كوعها بكوع مقابل ..
ببساطة لأنه ليس لدينا صالة .. 

أما كيف تتحدث الأكواع واللكزات ..
فمثلها مثل العيون التي تتحدث في القصص الرومنسية .! 

المهم أنني ـ مثل أي رجلٍ محترم ـ تمسكت برأيي ولم أدفع ثمن فرشاة الأسنان خاصتي ..

على اعتبار أنه ( لن تصلح الفرشاة ما أفسد التبغ ) 



واكتفيت ـ فقط ـ بدفع ثمن كل شيء آخر ..!!

طبعاً بعد أن اتضح أن التخفيضات لا تشمل شامبو البافايا .. 
ولا الزيتون أو التفاح .. 

وبعد أن أضفنا لقائمة المشتروات عسلاً يقول الإعلان المرفق به 
( أنه يشفي من الحسد والعين وأمراض الذكورة والقولون وأمراض الدم والقلب والشرايين والسرطان والحول وانفصام الشخصية والقلق النفسي )

وفي أسفل الإعلان ملاحظة صغيرة تقول : بأن هذا المنتج يساعد ـ أحياناً ـ على تسهيل عملية الوضع والولادة شريطة ألا تكون العملية قيصرية ..! 

يا سلام ..!

لماذا إذن لا تبدوا الحياة بهذا الجمال .. 
وتلك السهولة ..!

كيف يموت البشر إذا كان العسل يشفي من كل شيء ..! 
وكيف أزداد قبحاً وكل تلك المنتجات تعدني بمستقبلٍ وسيم .! 

وكيف نشتكي من غلاء الأسعار .. 
بوجود كل تلك التخفيضات والعروض .. 


ألا إنه رزق الهبل على المجانين .! 




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق