الجمعة، 24 مايو 2013

آمين ..!!

آمين ! 


You crossed the line first , sir. You squeezed them, you hammered them to the point of desperation. And in their desperation they turned to a men they didn't fully understand.

النجم : Michael Caine
من فلم : dark knight


الدرس الأول الذي تعلمته من الغربة هو : ( أدعي على ابني واكره اللي يقول آمين ) ! 
عندما أطلق الوزير البائد تصريحه الشهير ( أن على الشعب أن يغير من عاداته الغذائية ، وأن يبحث عن الأرز الأرخص سعراً على اعتبار أن كل الأنواع تشترك في القيمة الغذائية ) .. 

حاولت أن أشارك في حوار ودي على اعتبار أنني ( مولود في الشميسي ومقطوع سرّي في النسيم ) ..
يعني من أبناء البلد ، أشعر بهمومهم ، وأشاركهم مصيرهم ، وأصرف ( قريشات الفسحة ) في ( الفسحة ) 
ولا أقوم بتحويل أي هللة خارج حدود هذا الوطن !



قلت لبعض الأصدقاء بأن تصريحه يشبه كثيراًَ تصريح وزير تجارة شاوشيسكو عندما اقترح قانون التغذية العلمية والذي يحدد كمية الغذاء التي يجب على الفرد تناولها كل يوم !
وأنها يجب ألا تزيد عن الثلاثة آلاف سعر حراري .. 
وإلا أصيب المواطن بالأمراض الفتاكة ..
هذا القانون الذي قرر منح كل أسرة نصف كيلو سكر شهرياً ، ولتري زيت فقط ..
كان رد الأصدقاء واضحاً وصريحاً ، أنه : لو الله يفكنا من الأجانب بس ! 
هكذا فهمت أنهم لا بد يعتقدون أنني (شامت ) 
وأن ما أقوله هو من باب ( التشفي ) بما آلت إليه أحوالهم ..
وأنني غير مهتم حقيقة كما أتظاهر أمامهم ، لأنني ( ما تفرق معي ) بما أنني ـ أكيد ـ قد اشتريت في سورية ( بالألف وخمسمائة ريال مرتبي الشهري ) مزرعتين ، وفيلا ، 
ومطعم مشويات !! 

حاولت أن أدافع عن نفسي بقولي : أن من أشعل ثورة الشعب في رومانيا هو شخص ( مجري ) 
يعني من ( الأجانب ) !!
لكن ردي بدا واهناً ، ضعيفاً .. 
أمام كل الأصوات التي تصر ليل نهار على أن الأجانب يقومون بتحويل مليارات الريالات يومياً إلى خارج البلاد ،
وعن الأجنبي الذي يأخذ محل ابن البلد !
وعن التسعين ملياراً من الدولارات ـ بل ربما أكثر ـ التي تحلق مع أسراب النقود في هجرتها السنوية خارج الحدود !

هذا الكلام الذي اتضح فيما بعد أنه ( ليس صحيحاً كله ) ـ ولا أقول ليس صحيحاً على الإطلاق على اعتبار أنه فيه الكثير من الصواب ـ باعتبار الوظائف الحكومية الشاغرة والتي تجاوزت المائة ألف وظيفة ! 
والأموال المشبوهة ، والأملاك غير الشرعية لبعض الوزراء والمسئولين ، والذين يصرون على أنهم تحصلوا عليها من عرق جبينهم قبل تسلمهم لمناصبهم ! 
بمعنى أنه وفرها من مصروف جيبه اليومي الذي كان يرسله له والده أثناء دراسته في الخارج ! 

ما علينا ..



المهم أنني عرفت أن علي أن أصمت عندما يقوم أحدهم بالدعاء على ولده ..
وألا أعتقد أنني ( أمون ) للدرجة التي تسمح لي بقول آمين !!
..
.
في وطني الأم ، كنت أقف أمام أحد المحلات التجارية أتفقد بعض المعروضات على الأرصفة ، فشعرت بشيء يصطدم برجلي من الخلف ، فالتفت وإذ بدورية شرطة قرر سائقها أن من حقه أن يبعدني عن طريقه بهذا الشكل ! 

أنا متأكد أنه لم يتردد ، لم يقف ليفكر ، لم يتساءل إن كنت سوف أحتج أو أعترض أو ربما أثور وأغضب !
لأنه ـ لا بد ـ قد رأى من رؤسائه من يفعل أبشع من ذلك دون أن يتردد أو يتأثر ! 
بل ودون أن تثور الضحية أو تستنكر ..

الحقيقة أنني ابتعدت ـ ممتناً ـ أن لم يصدمني بقوة أكبر !
بل أوشكت أن أشكره 
لأنه اكتفى بهذا القدر ، بالرغم من أن بإمكانه أن يفعل ما هو أكثر ..

..

هذه السلبية العجيبة ، هي من أغرتهم بالتربع على رؤوسنا كل هذه السنوات ..

هل الوزير سالف الذكر شخص غبي ؟!
قطعاً لا ، شخص حاصل على دكتوراة في الفيزياء من هارفرد لا يمكن بحال من الأحوال أن نتهمه بالغباء !!
لا بد أنه رأى أننا أقل من أن نستحق عذراً مقبولاً ، أو حجة مسلوقة بشكل جيد !

هل كان هذا الشرطي حيواناً من قبل ، أم أنه كان إنساناً سلبياً ، مطموس الشخصية ، عديم الإرادة ..
بحيث أنه أصبح حيواناً بمجرد أن ارتدى جلد واحد من الحيوانات إياهم !! 



..
.




بالعودة إلى الاقتباس أعلاه ..
بالرغم من أن المعنى واضح ، وأنه لا أحد يحتاج إلى مترجم لتفسير التعابير الواضحة ..
إلا أنني استعنت بمترجم قوقل ، الذي ترجمها بهذه الطريقة الغبية التي تميزه : 
( اجتزتم السطر الأول ، سيدي ، كنت لهم ضغوطاً عليها ، كنت لهم التوصل إلى نقطة اليأس ) 



هكذا تحولت جملة ( أنت من تجاوز الحدود أولاً سيدي ) إلى ( اجتزت السطر الأول ) !!


هذه الجملة العبقرية تحوي الوصفة السحرية لصناعة الرجال ..
والتي يجيد ( الطغ/ـهـاة ) صنعها بكل اقتدار ..
طاغية أعمته السلطة ، أغرته بتجاوز كل الحدود ، يقوم بعصر شعبه بكل طريقة ممكنة ، يطحنهم حتى يصلوا لمرحلة اليأس !
وفي خضم يأسهم ، يتحولون إلى ( رجال ) ! 

ثم لا يجد الطاغية أمامه طريقة لتفادي المصير المحتوم ، إلا باستخدام سيناريو ( طباخ الريّس ) ، هذا السيناريو الرائع للعبقري يوسف معاطي ..
هذا العمل الذي يصور ـ في واحدة من جزئياته ـ الرئيس على أنه مجرد شخص طيب ، بسيط ، ساذج ، لا يعرف ما يدور حوله ، لا ينقل له أحد ما يحصل على أرض الواقع ..
يتولى رجاله الأعمال القذرة ، تزييف الحقيقة ، فبركة السيناريوهات ، إزالة كل ما من شأنه لفت نظر الرئيس لأوضاع المواطن المطحون !
وفي جزئيته الثانية يصور معاناة المواطن المصري ، من خلال شخصية متولي ، الطباخ في السيدة عيشة ، الذي يعيش في منزل مشترك مع عائلة زوجته !!

أما لماذا قلت عن العمل أنه عبقري ورائع ، فلأنه كذلك فعلاً ، بالرغم مما قاله النقاد عن أنها مجرد محاولة للتقرب من السلطة ، فهي الحقيقة !
هذا ما فعله كل الطغاة عندما يصطدمون بالشعب الثائر ، وهو ما يرينا حقيقة أنهم لا يجيدون قراءة التاريخ ..
عندما يقفز أحدهم ليقول ( الآن فهمت ما تريدونه بالضبط ) كما فعل بن علي ! 
الآن فقط فهم أنهم يختنقون من وطأة ظلمه ، وأنهم لا يريدون إلا العيش الكريم .!
وهو مثلما ترون أمر صعب الفهم ، بل من شدة ما يحويه من طلاسم لم يفك شفرته إلا بعد أكثر من عشرين عاماً ! 


يا عيني على البراءة .. 

...
أنا سعيد لأنني عشت هذه الفترة ، هذا الشهر تحديداً ..
صحيح أنني لست تونسياً ولا مصرياً ، لكن من يدري بعد شهر ، ربما يحصل أمر ما يدعوني للفخر !
ربما يأتي ليبي أو يمني ليكتب موضوعاً يشيد فيه بالسوريين ..

وحزين أيضاً ، لكل الشهداء ..
لمن مات قبل أن يشهد هذه الانتفاضة ، لأحمد مطر الذي كان يعتقد أن ثورة العربي على حاكمه مستحيلة ..!
لسيد طنطاوي الذي مات قبل هذه الثورة التي كانت ـ ربما ـ سوف تمكنه من قول كلمة حق عند إمام جائر ،
صحيح أنها سوف تكون كلمة من لا يخشى شيئاً ..
لكنها على الأقل قد تحسن أوضاعه قليلاً .. 

أنا شاهد على التاريخ يا جماعة ، أخيراً أتيحت لي الفرصة لأعيش هذه اللحظة ..
لأسجل على هاتفي الجوال مكالمة الصديق طارق شحاتة ، الذي اتصل على قناة الجزيرة ليقول بلهجته الريفية المحببة : حسني مبارك ساب البلد خلاص ، دي بس حلاوة روح !
هو بس عايز يطلع بشكل كويس ، بأسلوب كويس ..
سعينا للحرية ووصلنا إليها بإذن الله ..
يسأله المذيع : برأيك هل يكفي رحيل حسني مبارك ، هل يقف الأمر عند ذلك ! 
ليجيبه : خلاص بقه ، تلاتين سنة دكتاتورية ، لازم يسيب ، واحنا مش حنحاسبه ، حسابه عند ربنا !! 

دون أن يتردد ، دون أن يضطر لتجميل مظهر رئيسه أمام زميلي سكنه المغربي والسوري ! 

صدقوني ليس هذا هو وقت الخجل ، والسلبية ..
ليس هذا هو وقت امتناع هشام الجخ عن إلقاء قصيدته جحا خارج مصر ، خوفاً من شماتة غير المصريين !
ليس هذا وقت السكوت عن ضحايا جدة ، لمجرد أن هذا الأمر قد حصل قبل ثلاثين عاماً ونسيناه ..!


وبما أن ثورة الشعوب تعدي ، كما أثبتت ثورة شعب تونس البطل حين أعدت شعب مصر الأبي ..
فقد أعدتني ، وسمحت لي هذه المرة بأن أثور ـ كاستثناء ـ 
فقط هذه المرة اسمحوا لي حين تدعون على أبنائكم بأن أقول : 

( آمين ) !

هناك تعليق واحد:

  1. عبارة عن جنون كلمات عرفت أن ترتبها جيدا وحسب الوصفه ،كاتب إن لم تكن مجنون فأنت تسير إلى جمال الجنون ببطئ ' تحياتي لك ولقلمك

    ردحذف