الجمعة، 24 مايو 2013

نـصـفـ سـاعـ’ـة ( تلفـزيـون ) ..!

.
.
.
في الساعات القليلة التي أقضيها في المنزل .. 
والتي لا أكون مشغولاً فيها بإقناع ابنتي بأن عصير البرتقال لا يستخدم لأغراض التنظيف ..!
ولا أكون ـ كذلك ـ مشغولاً في محاولة منعها من شرب الكلوركس .!
أقول : تلك الساعات القليلة التي لا أكون مرتدياً فيها عباءة المربي الفاضل ..
تعرفون ذلك النوع من التربية الذي لا نمنع فيه الأبناء من فعل الأشياء لأنها قبيحة ..!
بل نمنعهم من فعلها فقط لأننا نرغب بذلك ..! 
مثل أن تمنعهم من خلع ملابسهم في نهار صيفٍ حار ، 
تكون فيه أنت شخصياً تقاوم رغبةً ملحّة في خلع جلدك ذاته ..!
تلك الساعات التي يتضح أنها لم تعد ساعات .. 
هي فقط نصــف ساعة ..
أقضيها أمام شاشة التلفاز ..



الأخ الذي لم تلده أمك ، الزوجة التي لا ترهق جيبك ، 
الأب الذي لم يداعب ظهرك بخيزرانته الرشيقة ..!

الأم التي لا تزعجك ليل نهار بمسألة الزواج ، 
والتي لا تخبرك في اليوم ـ ألف مرة ـ بأنك ـ لا بد ـ مريض ، أو مسلول ..!
وأنك لا تأكل جيداً ، ولا تشرب جيداً ، ولا تنام جيداً ..

العمة التي لا تجبرك على تناول ( الكبسة ) الرديئة .. 
المليئة بالسمن .. 
بل تتيح لك ـ العمة التلفزيون أقصد ـ اختيار الصنف الذي تريد ..!
الخالة ( وبعدين معاك ) ..! 


أقول : برغم إيماني بأن التلفزيون لا يقدم ـ في أغلب فقراته ـ إلا السخف ، ولا يزيد في ثقافتي ـ الضحلة أصلاً ـ إلا مقدار ما يزيد ( الفصفص ) في حجم عضلات محدثكم الهزيل ..! 
لكنني أحبه ، وأفضل صحبته على الكثير من الأوادم ..! 

.
.
.

قناة ( كريم ) 
موسيقى ( التتر ) الإسلامية ( لا تسألوني كيف إسلامية وهي موسيقى ) 

لبرنامج ( رأيت فيما يرى النائم ) 

إعداد وتقديم ( شريفة عز الدين ) 

تفسير أحلام ، فضيلة الشيخ ( بهاء رامي ) ـ لاحظ كيف بس .! 

المصورون : ( سمير فتح الله ، يوسف أمير ) 

مساعدو(ن) المصور(ون) : ( أشرف عبد الوهاب ، عزمي رضا ، ليلى حسين ) 


بعد المقدمة الجميلة ، والصلاة والسلام على خير خلق الله .. 

هناك اتصال أول .. 
من البديهي أن المتصلة ( امرأة ) 

وأنا لا أدري ما السبب في كون كل المتصلين ـ تقريباً ـ على تلك البرامج من النساء ..!
هناك تفسيران جاهزان ..! 

أحدهما يرضي حواء ، والآخر يغضبها طبعاً .. 


1 ـ أن المرأة كائن له روح شفافة تحلق في النوم ، نيتها طيبة ، سريرتها بيضاء ، لذلك ترى الأحلام الجميلة .. وأن الرجل روحه منغلقة ، كائن مادي ، لذلك من الطبيعي ألا تزوره الأحلام ، غالباً يرى الكوابيس لأنه يحرص على ملئ بطنه قبل النوم .! 

2 ـ لا أعتقد بأنه هناك رجل ـ مهما بلغت سخافته ـ يجرؤ على الاتصال ليخبر الناس على الهواء مباشرة أنه رأى في منامه 
أنه يأكل دجاجة وفي بطن تلك الدجاجة توجد سحلية ، تلك السحلية عضته ، ليأتي ( أرنستو تشي جيفارا ) شخصياً ليجري له عملية جراحية ..! 
المرأة هي الوحيدة التي تملك قدراً عالياً من الجرأة ( الجرأة السخيفة ) طبعاً لتتصل وتتحدث عن مثل تلك الأمور ..! 


تقول المتصلة : السلام عليكم يا شيخ ، أنا أحبك في الله .!

يبتسم الشيخ ( الذي يشبه جورج كلوني ، مع الفرق الشاسع في الوسامة ، لصالح جورج كلوني طبعاً ، أنا لا أريد أن أثير حفيظة الحزب القائل بأن الإيمان هو ما وقر في القلب فقط ، لكن فعلاً هذا الشيخ لا يشبه الشيوخ على الإطلاق ) 

يقول : أحبك الله الذي أحببتني فيه يا أختي الكريمة ، ما هو منامك ..؟


تقول : أنا رأيت في المنام يا شيخ إن انا اشتريت ( جزمة ) جديدة ، لونها دهبي ، وكنت فرحانة فيها خالص ..! 

ابتسم الشيخ ابتسامة عريضة وهو يقول : أبشري أيتها الأخت العزيزة ، سوف يعوض الله صبرك ، ويرزقك زوجاً صالحاً ، مثل الذهب ..!

ضحكت وقلت في نفسي : سامحك الله يا سيدنا الشيخ ، الجزمة في المنام رجل ..! 

ردت عليه المتصلة : لكن يا شيخ أنا متزوجة ..! 

تقصد القول : أنها بالفعل لديها جزمة قديمة ...!!

الشيخ ـ بالتأكيد ـ يملك حلولاً جاهزة ، إن لم يكن زوج ، فولد ، إن لم يكن هذا أو ذاك فهو رزق كثير ..! 

تلك البرامج في مجملها تلعب على عاطفة النساء ،
للأسف الكل يعرف ذلك ، ولا يبور سوق تلك البرامج على الإطلاق ..! 



متصلة أخرى : السلام عليكم يا شيخ ، أنا رأيت في المنام إني صحوت من النوم ووجدت بجانبي ( خروف ) ..! 

أخبرت زوجتي : بأن الخروف هو رجل صالح كذلك ، أو ولد .! 

لم يخيب الشيخ ظني ، وأخبرها بأن الخروف في المنام هو ولد ..!

صرخت المرأة من الفرح وهي تقول : الله يبارك لك يا شيخ ، 
أنا بئالي عشر سنين متجوزة ، وعندي ثلاث بنات ..! 

قلت لزوجتي : أي جريمة ارتكب ذلك الشيخ ،
لو كان شجاعاً لأخبرها بأن المنام ـ ببساطة ـ هو تجسيد صريح لأحلام اليقظة ،
العقل الباطن أخرج كل مخزونه على شكل حلم ..! 

واستطردت : لو أنجبت ولداً فهو الشيخ العلامة ، الذي لا يخطئ ، 
ولو أنجبت أنثى ، فهي على الأغلب لا تعيش في بيئة رعوية ،
وأنها شاهدت ( عنزاً ) لكنها لم تفرق بينها وبين الخروف ..! 

اتصال جديد ، امرأة طبعاً : هي ـ لا بد ـ تتصل وهي نائمة ، 
لتنقل الحلم على الهواء لحظة حصوله ، صوتها ناعس غنج ،، 

تقول : ألوووه ، تلك الألو مع الهاء في آخرها ، والتي تحيل الصخر إلى طبق من الكاسترد ..! 

تقول : يا شيخ أنا شفت في منامي إنو طلع لي من الفراش ( عنخفوس ) ولدغني ..! 
وكان شكلو مرة بايخ ..! 

يعلم الله أنه ليس لدي أدنى فكرة عن ماهية ذاك العنخفوس ،
لكن الشيخ يعرفه طبعاً ، لا بد وأنه فسر المئات من الأحلام ذات ( العنخفوسات ) ..! 

يقول الشيخ : أنتِ مصلية .! 
ترد عليه : والله شوف أنا أصلّي بس على خفيف يعني مو كتير ..! 

يرد عليها بلهجة حاسمة : يا ابنتي إن هذا العنخفوس هو تجسيد للشيطان ، احرصي على الصلاة ..... 



ضغطت بإصبعي لأغير القناة 

.
.
.

قناة ( فلـِكس ) 

شاب وسيم ، ممشوق القوام ..
يتقافز باستمرار ويتراقص على خلفية موسيقية لواحدة من أغاني الحسناوين ( عسل وحليب ) كما يحلو لهما تسمية نفسيهما .. 

في الركن الأيمن من الشاشة سؤال يقول : 

اسم فتاة من ستة حروف ، إذا حذفنا الياء في أوله ، أصبح لدينا ( اسمين ) ..! 

وجائزة هذا السؤال المعجز ( 50000 ) خمسون ألف دولار أمريكي ..! 

سؤال سخيف طبعاً ، ومن الواضح أن الكل قادر على إجابته ..
ومن البديهي أن الغرض من السؤال ليس رفع المخزون المعرفي ،
والحصيلة الثقافية للمشاهد ..! 
هو مجرد طعم لإرسال الرسالة .. 

لن يشارك أحد لو أخبروه بأن عليه إرسال رسالة فارغة فقط ليدخل السحب على الجائزة ..! 

متصل يقول : ألو ممكن أشارك .! 

يرد المذيع ( وهو لا يكف عن الرقص ) : طبعاً ، مين معانا .؟

معاك ( بيبو ) إنت معرفتنيش ولا إيه يا ( خوخو ) .! 

يرد المذيع : بيبو بتاع المنتدى .؟ إنت فين يا راجل .. 

طبعاً تجد نفسك عالقاً بين بيبو وخوخو ، تصبر على مضض ..
والسبب الوحيد هو أنني لم أصبر يوم على مثل تلك البرامج ،
لكنني اليوم أقسمت أن أفعل ، لأرى إن كان هناك ـ حقاً ـ من يفوز ..! 

بعد أن انتهى المتصل من سلاماته ، ولم يجب عن السؤال لأنه لم يتصل لهذا الغرض ، هو على الأغلب من أصدقاء المذيع ، ويعرف جيداً أنه لا أمل لديه بالفوز .. 

اتصال آخر : ألو قناة فلكس .! 
ـ أيوا تفضل ..

الجواب : صالح .. 

المذيع بذهول : هو إيه الي صالح 

ـ أنا والله مدري وش السؤال ، بس حاب أهدي سلامي لأبو نورة وأبو هديل ، وأبو فيصل ، وحمدّو .. وللعيال في منتدى **** .. 

صوت إغلاق السماعة ، والمذيع يقول : معلش يـَ نحمدو ، اتصل مرة تانية .. 

في تلك الأثناء كنت قد أرسلت تقريباً عشر رسائل على الأقل ، 
على أمل أن يحالفني الحظ ـ لا للفوز ، لاختياري للاتصال فقط ـ 
أريد أن أخبرهم بأن الجواب هو ( ياسمين ) ..

رن جرس الهاتف الجوال ، بالطبع رقم دولي ، أمسكته على عجل ،، 

ـ أهلاً . 

ـ معاك كنترول قناة فلكس ، حاب تشارك معانا . 

ـ أيوة طبعاً .. 

حولني على الهواء ـ وأنا موشك على فقدان الوعي من الفرح ـ .. 
شعور مذهل ، أن تستمع إلى المذيع وهو يتلقى المكالمات .. 
كنت أفكر : هل كل الأشخاص الذين اتصلوا هم من الحمقى .!
لو كانوا كذلك فما الذي يميزني عنهم ..! 

هناك إغراء فوق مستوى المقاومة ..! 

إن المتصل على البرامج المباشرة ، يكون غالباً واحداً منا ، يكره ـ مثلاً ـ الفنان الذي يستضيفونه ..! 
لكنه لا يقاوم فكرة أن يسمع صوته على الهواء ، أن يتحدث إليه الفنان ..! 


كذلك المقبلون ليد البابا ..
هم ليسوا كائنات قطّع الإيمان قلوبهم ، 
هم مجرد بشر يعتقدون أن تقبيلهم يد البابا سيجعل منهم مجموعة من القساوسة ..! 


المذيع : ألو مين معانا .. 

ـ ألو معاك مصطفى من سوريا ..  

ـ أهلاً يا درش إزيك .. ولوّح بيديه الاثنتين ، فلوّحت له بالمقابل ..!!

وقلت له : أهلاً يا خوخو ، أنا من أشد المعجبين فيك .. إنت بطل .! 

ـ ربنا يخليك يا ( قمر ) 

ـ صوت بكاء طفلة ، صوت كفّ ليخرسها .. صوت احتجاج امرأة ، صوت همهمة اعتراض )

ثم : أيوا يا مصطفى ، إيه الجواب .! 

ـ لو سمحت ممكن تكتب لي على الشاشة ( بحبك يا مصطفى ) 

هذه المرّة كانت زوجتي هي من غيرت القناة وأقفلت خط الهاتف ، بعد أن تحول زوجها ( الأصلع الرصين ) إلى مجرد مراهق آخر يحب سماع صوته عبر الأثير ..!


أريد أن أقول أنني شعرت بالحرج من هذا الموقف .. 

أنت مجرد شخص آخر هش ، تعجبك كل الأشياء التي تعجب الآخرين ، أنت تملأ الدنيا احتجاجاً على هايفة وهبي ، لكنك تشعر بالفخر لو التفتت إليك ورضيت بأن تلتقط معها صورة .. 
أنت مجرد آخر لا تريد الاعتراف بذلك ..! 


مررت ـ دون وعي ـ على عدد من القنوات الأخرى ..
قناة تعرض مسلسلاً سورياً ، 
يرتدي فيه النسوة طقم رياضة كامل ، حتى الجزمة ( الله يكرمكم ) وكل هذا المشهد في المنزل ..! 

صحيح أنني لست من عائلة ارستقراطية ، 
لكنني من عائلة سورية ، 
وأعرف أنه ليس كل المجتمع السوري يرتدون الجزم في بيوتهم ..! 
هم يختلقون واقعاً مزيفاً ، ثم يصورونه ويوثقونه على أساس أنه الواقع الوحيد ..!
الواقع الذي تصحو فيه المرأة بالمكياج الكامل ، والعدسات ..! 


أوشكت نصف الساعة على النهاية ..! 

قناة الجزيرة تتاجر بقضية الصحفي السوداني ( سامي الحاج ) ..! 

سامي الحاج لا يهمهم من قريب أو بعيد ، وهو بطل على الرغم منهم ومني .. 
لكني أكره تلك الحركات المكشوفة ، 
يريدون صنع بطلٍ على غرار قنوات التلفزة الأمريكية ، ومراسليها الأفذاذ ..! 
فقط من باب التقليد ،
( سامي الحاج ) مجرد عنوان سوف يستغلونه كموضوع دسم لبعض البرامج ، وافتتاحيات النشرات ، ويعود اسم الجزيرة ليطفو مجدداً .. ثم لا شيء ..! 
فقاعة كغيرها ..! 

تنتهي نصف الساعة ، بمشهد مهيب .. على قناة البي بي سي 

جيش عرمرم .. قائد فذ .. شجاع

الجيش الإيراني .. أحمدي نجاد .. المستقبل النووي لإيران ..! 

تنبهت ـ لحظتها فقط ـ إلى أن الإعلام الإيراني غير غارق فيما غرقنا فيه نحن ..! 

سخافة .. سخافة .. ومزيد من السخافة ..! 

تخيلوا لو أن ( العراب ) مثلاً .. استضاف أحمد زويل .! 
بدلاً من استضافة أليسا .! 

واحتجاجي هنا على أليسا لا يتضمن اعتراضاً على صوتها الجميل ، فأنا على أتم استعداد لأن استمع لكل أغاني أليسا ..! 

لكنها ليست الشخص الذي أحتاج إلى الاستماع إلى تفاصيل حياته ..! 
على الأقل ليس الآن ..! 

في وقت نرقص فيه مع خوخو ..
بينما غيرنا يعدّ العدة لحرب هائلة .. 
يقتصر دورنا ـ على الأغلب ـ على لعب دور الضحيّة ..!

وهو دور أجدنا تمثيله على مدى قرون ..!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق